ضِقْنا بِهِ وَطَنا ما عادَ يَعشَقُنا
وَالقائِمونَ عَلَيْهِ رُبَّما ماتُوا
نُعطيهِ مِنْ دَمِنا مَهْرا فَيَرفُضُهُ
يَصيحُ في النّاسِ مَهْما قَدَّمُوا:هاتُو!
وَكَمْ يُزَفُّ لَنا في الحُلْمِ مُبْتَسِمًا
وَفي الصَّباحِ تَهاويلٌ وَآهاتُ
إِذا بَكينَا يَكُونُ الدَّمْعُ حَشْرَجَةً
وَإِنْ شَدَوْنَا فَرَجْعُ الصَّوْتِ أَنَّاتُ
أَصوَاتُنا لَمْ تَعُدْ جَهْرًا فَيَسْمَعُهَا
فَالْبُكْمُ نَحنُ وَهَلْ لِلْبُكْمِ أَصوَاتُ؟
ما سُنَّةُ الْحُبِّ أَنْ نُلْقي مُجازَفَةً
بِمَنْ نُحِبُّ وَمِنَّا المَوْتُ يَقْتَاتُ!
هَذا ابْنُ عَبّادَ ضاعَتْ في مَمالِكِهِ
آمالُهُ فَإِذا مَنْفاهُ أَغْمَاتُ!
وَابْنُ الْخَطيبِ لَقى مِنْ بَعدِ أَنْدَلُسٍ
أَرضَ الفَسادِ وَمَنْ بِالْأَرضِ قَد عاتُوا
شَبَّتْ حَرائِقُهُ في فاسَ فَاحتَرَقَتْ
فَاسٌ، وَفَاسُ كَمَا بِالْأَمْسِ مِقْلاةُ
آهِ يَا وَطَنَ الْجَنّاتِ مِنْ سَقَرٍ
غَنِّ الزَّنازِنَ فَالأَحرارُ قَدْ فاتُوا
تَرى الثَّعَابينَ فِينَا، كَيْفَ صِرتَ عَصًا
تَسْعى كَحَيَّةِ مُوسَى وَهْيَ مُلْقاةُ؟
تَظَلُّ تَبْلَعُنا جَمْعًا وَتَلْفِظُنا
وَنَحنُ فِي فِيكَ أَحبالٌ وَمَلْهاةُ
وَقَبْلُ كُنْتَ لَنا دَعمًا وَمُتَّكَأً
كَما العَصَا سَنَدًا إِنْ تَاهَتِ الشّاةُ
وَاليَوْمَ صِرنا كَما أَعشاشُ باكِيَّةٍ
وَسُمُّ بَطشِكَ بِالأَفْراخِ حَيَّاتُ
نَلْقاكَ يَا وَطَنا لا شَيْءَ يَجْمَعُنَا
بَلْ إِنَّنا حِينَ نَحيَا فِيكَ آفَاتُ
نَغُوصُ فِيكَ وَلَا نَدرِي شَوَاطِئَنَا
بَلْ كَيْفَ يَجْهَلُ شَطَّ البَحرِ حَوَّاتُ؟
وَكَمْ حَسِبْنَاكَ كَالْمُرجَانِ في حُلُمٍ
وَفي الْكَرَى رُؤْيَةُ المُرجَانِ مِكْوَاةُ
لَا تَقْرَبُوا ثَمَرَاتِي! قُلْتَ مُبْتَهِجا:
إِنْ تَقْرَبُوا ثَمَرَاتِي، تِلْكَ زَلَّاتُ!
نَعَمْ أَكَلْنَا، وَكَانَ الْجُوعُ يَقْتُلُنا
وَكَيْفَ لَا وَسُهُولُ الأَرضِ خَيْرَاتُ؟
لَكِنْ هَبَطنا مِنَ الفِردَوْسِ يَتْبَعُنَا
إِبْلِيسُ وَالحَالُ فَوْقَ الْأَرضِ مَشْتَاةُ
مَا كَانَ في الأَرضِ لِلغاوِينَ مُتَّسَعٌ
وَلَا لَنَا مِنْ مَآسِي الجَوْرِ إِفْلَاتُ
هَذا هُوَ الوَطَنُ المَكْسورُ لَوْلَبُهُ
لَمّا تَحَرَّكَ ضاعَتْ فيهِ آلَاتُ
يَسُدُّ آذانَهُ لَمّا نُخَاطِبُهُ،
وَثَوْبُهُ حينَ يَسْتَغْشيهِ لَاءَاتُ
تَكَسَّرَ الفُلْكُ وَالجُودِيُّ أَنْكَرَنَا
مَا كَانَ نُوحُ غَوَى وَالوَعدُ مِيقَاتُ
يَا لَيْتَهُ وَطَنِي كَسْرٌ فَأُجْبِرُهُ
أَوْ أَنَّهُ خَطَاٌ وَالكَفُّ مِمْحاةُ!
أَوْ أَنَّهُ سُرُجٌ خَفَّتْ ذُبَالَتُهَا
عَلِّي أُضِيءُ لِمَنْ في العَتْمِ قَدْ باتُوا
أَوْ أَنَّهُ دِفْتَرٌ حَتَّى أُرَصِّعَهُ
أروِي الّذي لَيْسَ تَرويهِ الحِكَايَاتُ
أَوْ أَنَّهُ قَلَمٌ خَفَّ الرَّصَاصُ بِهِ
وَأَنَّني حينَ يَخْفَى الخَطُّ مِبْرَاةُ
سُحقًا لِرافِضَةٍ زِدنَا بِها تَلَفًا
كَأَنَّنا غَجَرٌ في الْأَرْضِ أَشْتَاتُ
ما عُدتُ أَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ سَخافَتِها
إِنِّي عَيِيتُ، وَكَمْ تُعيِي السَّخَافَاتُ!
وَلَستُ أَقْبَلُ في وَجْهِي لَهَا شَبَهًا
كَيْ لَا يُقَالَ بِأَنَّ الوَجْهَ مِرْآةُ!
لَكَمْ عَشِقْنَا فَماتَ القَلْبُ مُلْتَهِبًا
وَالعِشْقُ حينَ يَمُوتُ القَلْبُ مَأْسَاةُ
وَكَمْ حَيِينا فَمَاتَ الحُلْمُ في غَدِنَا
بِالْأَمْسِ كُنّا وَنَحنُ اليَوْمَ أَمْوَاتُ
إِذَا التَقَيْنا يَكُونُ البُعدُ مَضْجَعُنَا
وَإِنْ قَرَبْنا فَصَهْدُ القُرْبِ وَيْلَاتُ
إِنّي نُفيتُ هُنَا حَتَّى غَدَا جَسَدِي
تِمْثَالَ صَخْرٍ، وَكَفُّ النَّفْيِ نَحَّاتُ!
سَيَثْقُلُ النَّعشُ لَمَّا الرُّوحُ تَهْجُرُنِي
وَتَصعَدُ الرُّوحُ إِنَّ الرُّوحَ مِشْكَاةُ
وَيَنْفُضُ الفَجْرُ عَنِّي مَا الظَّلَامُ مَحَا
فَلَا غُبارَ وَضَوْءُ الفَجْرِ مِصفَاةُ
نَهَارُ لَيْلي أَنِينٌ لَا تُهَدِّئُهُ
سَلْمَى وَلَا جَمَرَاتُ الكَاْسِ وَالقَاتُ
وَلَا القَصَائِدُ مِنْ بَحرِ البَسيطِ وَلَا
تَحنَانُها وَقَوَافٍ هُنَّ تَاءَاتُ
وَالعُودُ حِينَ يُغَنِّي وَالكَمانُ لَهُ
نِعمَ الرَّفِيقُ وَرَقْصٌ ثُمَّ جَرَّاتُ
وَلَا الجِنانُ وَبِيضُ الحُورِ طَوْعُ يَدِي
إِذْ لَمْ تَعُد لِصَريعِ الحُورِ جَنَّاتُ
وَالسِّينُ وَهْوَ إِلى بَحرِ الشَّمالِ بِهِ
سِحرٌ، وَلي فيهِ حالَ الهَمِّ مِرقَاةُ
قَدْ كانَ لِي وَطَنٌ، كَمْ كُنْتُ أَعبُدُهُ
وَالنّفْيُ سَاءَتْ بِهِ في النَّفْيِ حَالَاتُ
اَللَّاءُ دِينِي وَفي اللَّاءَاتِ مُعتَقَدِي
بِاللَّاءِ أَحيَا وَتَحيَا فِيَّ لَاءَاتُ
فَالنَّفْيُ كَانَ بِلَا، وَالرَّبُّ لَا وَطَنٌ
فَلْتَغْضَبِ الْأَرضُ إِنْ مَعبُودُنَا اللّاتُ
تَاْتي الزَّلَازِلُ حَتما سَوْفَ أَرقُبُها
قَبْلَ الخَريفِ وَبَعدَ الرَّجِّ هَزَّاتُ
في نَغْمَةِ الشَّكِّ، لَمَّا اليَأْسُ يَطبَعُها
عَلى الفَسادِ، لِبَدءِ الخَلْقِ آيَاتُ!