اندسّت قرية نائية وسط جبال شامخات لامست عنان السّماء ودغدغت بأعرافها يوما غيوما ركامية حبلى، فأفرغت عليها أمطارا طوفانية لمدّة سبعة أيام متتالية فاضت على القرية المسيلات والأنهار وقطعتها عن العالم. أكل النّاس كلّ مخزوناتهم من الحنطة والزّيت والسّكر.. ثمّ تلظّوا على نار مجوسية في انتظار المؤونة. طال انتظارهم، وأحسّوا بالنّهاية، قصدوا قرية مجاورة يستلفون، وجدوها خاوية على عروشها إلاّ من كلبة سوداء من سلالة “براقش”، بلغت من الهزال حدّا لم تستطع معه حتّى القيام من مرقدها، سألوها:
“أين أهلك يا براقش؟”
نبحت نباحا ضعيفا ونفقت.
عادوا إلى قريتهم ودفنوا آخر طفل ولد غرّة ذلك الشّهر القمري.
نامت القرية باكرا واستيقظت مع انبلاج فجر متأخّر، صعد مؤذن المسجد إلى الصّومعة الواطئة ونادى على يمينه “الله أكبر، الله أكبر”، واستدار إلى يساره ليتمّ النّداء، فشاهد أضواء شاحنة قادمة من بعيد، قفز فرحا ونسي إتمام الأذان وصاح:
“شاحنة، شاحنة قادمة”.
قفزت القرية من فراشها، وركضت في الطّريق الموحلة تعترض الشّاحنة وتنهش ظهرها قبل وصولها.