أ- قدم في البناء الدلالي:
إن الكتابة غموض الشمس في شفاف التموضع، غموض برجوازي في سيرورة الكفاءة الدلالية، والذين يحاولون وصفها بالمعنى الخارج عن وجود الذات المشتغلة بالوظيفة التأولية، إنما يؤسسون لحالة الانتفاء. ونحن لسنا كتابا بقدر ما نحن نبرهن عن معادلة القول والوظيفة بطريقة التوليف بين المعنى الكيميائي والشكل الأرستقراطي في العصر الذي لا ننتمي إلا إلى مظاهره. لا نقصد أن الكتابة هي الرمز، لأن الرمز أداة الهروب من الوضوح، وهو آلة حادة لتشريح الوهم والتردد في الفكرة.
الكتابة أيضا، حساسية الصدفة في نمط الحقيقة، ليست الواقعية حقيقة كما يتوهم الطبيعيون، إنما الحساسية النفسية المفجرة لحالة الشهوانية كما يحب أن يصرح النفسانيون، فالنصوص جسد عار، يتلذذون بباطنه الشهواني، لكنها، أي النصوص عندما تقفز إلى طاولة التشريح العمومي، يظهر معنى التسطيح في لعبة الغواية، والكتابة جنس عام مادام العموم يعالج بنيات الجسد الكاتب والمكتوب.
نستطيع أحيانا، وكلما ابتعدنا عن مشهد الشمس، أي عندما نتوجه إلى قبو النفس، نصير عميانا وتصير الكتابة كومة مظلمة تحتاج إلى معالجة بالضوء، هذا يعني أن غالبية الكتاب الممارسين لطقوس الكتابة بؤر من نور في خنادق من ظلام، هنا الصراع بين النقيض والنقيض والذي يقود الذوق إلى الغموض الهائل بين تعبير العين وتعبير الحلق.
إننا لا نفسر عندما نكتب، بل نحن ندمر النمط الخارج من العمق، الخارج أيضا من بؤر الجروح الجمعية .ليس لهذا من تفسير ميتافيزيقي، أو هيولي أو ما قبل تاريخ النصوص، لكن الواضح هو أننا ننسج قوة تدميرية لظاهر الفكرة وتفتيت كل الجزئيات المكونة لدائرة الهدف الدلالي، وبمخاطر الرمز والتشريح التعبيري، إنما نحن نكلف التأويل أن يقود وظيفته إلى عبارة الفناء للفعل.
قد نكون كتابا نحاول تفسير الأوهام، أو لنقل حالة العبث المسيطرة على الفكر الغامض والبعيد عن كل الأبعاد المتاحة في التصور، لا في واقعيته الخالية من الشروط العميقة لرصد الكائن المفكر والكاتب. هل يمكن أن نقول بأن الكتابة نقيض الذوق النقيض؟
النقيض دائما مدمر، معول، كوابيس ورصاص أيضا، إن النقيض هنا كتابة أيضا لكن بحالة همجية دموية، الأدوات، أي حالة الكتابة، ليست أبعد من لغة هشة، فهي الضحية الساقطة، أو هي عند الجنسيين، امرأة تحت ضغط الحالة الشهوانية وبين أخلاق الطبيعيين.
للطبيعيين كتابات أخلاقية أيضا، فيها حالات التفاوت الفج بين الطبيعة وذوق التساوي في الأصل، عندهم، كل ذات حقل، وكل حقل طبيعة أصيلة، وكل تعبير صادر من هذا الحقل هو مساواة للشجرة والوردة، وهو مطلق الجمال.
والجمال لا يكون إلا في الولادة، إذا ما بعدها يتغير ويصبح جزءا من القبح الذي يفرغه الإنسان كلما استعمل النار في الكتابة أو استعمل محارق بالحرب. أين الجمال؟ الجمال عند هذا المستوى يصبح فقط رمادا ولا أصلا لحالة خلق الجذور في الهواء الصافي.
ب-فلسفة الدهشة:
قد نحتاج لأكثر من أرض وأكثر من تاريخ لنستطيع تحويل الضوء إلى حروف، لأن الكتابة أوسع بحروفها وبتجليات الحالمين بتحقيق فاعلية الضوء، وكلما طلبنا فكرة الضوء صرنا أبعد من تحقيق فكرة الحس والمعنى المؤسس للكتابة الخارجة عن دائرة الوصف.
-يتبع-