تعيش المرأة الهندية واقعاً تعيساً في ظل انتشار جرائم القتل والاغتصاب والعنف المنزلي بكثرة، هذا عدا الأعباء المادية التي تترتب عليها، فهي التي تدفع المهر للرجل عند الزواج، وتتكلف بكافة المصاريف المتعلقة بتجهيز منزل الزوجية، وفي المقابل لا تتمتع بشيء من حقوق وامتيازات الرجال.
لكن ربما كانت “العصابة الوردية” عزاءً للنساء المعنفات والمظلومات في طول البلاد وعرضها، فقد تعهدت قرابة 400 ألف امرأة بالدفاع عن حقوق النساء مهما كلف الأمر.. تعالوا نروِ لكم قصتهن المثيرة للإعجاب:
كيف نشأت العصابة الوردية؟:
بدأت القصة عام 2006، عندما رأت “سامبات بال ديفي” التي تعمل في بيع الخضراوات لإعالة أطفالها، رجلاً يضرب زوجته، وعندما تدخلت وناشدت الزوج أن يتوقف قام بالإساءة لها أيضاً.
لم تنسَ ديفي تلك الإساءة، فعادت في اليوم التالي برفقة 5 نساء أخريات حاملات عصياً من الخيزران في أيديهم ورحن يضربن الرجل الذي كان يضرب زوجته في اليوم السابق إلى أن تعهد بعدم تكرار فعلته.
من الطبيعي أن ينتشر خبر كهذا كالنار في الهشيم، وسرعان ما بدأت نساء بلدة باندا في ولاية أوتار براديش (شمال الهند) يطلبن من ديفي التدخل في قضايا مماثلة.
مع مرور الوقت، اتخذ الموضوع منحى أكثر تنظيماً، ومع تزايد أعداد النساء الراغبات في مد يد العون كان لا بد من اعتماد زي رسمي واسم للجماعة الوليدة، فقررت النساء اختيار الساري الوردي، كرمز للأنوثة وقوة الأخوة، وأطلقن على مجموعتهن اسم Gulabi Gang أو “العصابة الوردية”.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، تستخدم “العصابة الوردية” العصي لمساندة النساء الضعيفات، وقد وصل عددهن إلى ما يقارب 400 ألف امرأة بزعامة ديفي.
أعمال العصابة الوردية:
على مدار 15 عاماً كافحت العصابة الوردية جميع أشكال العنف ضد المرأة، وأصبحت عصيهن قوة حقيقية تثير الرهبة في النفوس. وتكافح أفراد العصابة الوردية العنف الجسدي ضد المرأة، وزواج القاصرات وجرائم الاغتصاب.
ومن ناحية أخرى، ينظمن أنشطة مجتمعية مختلفة، ويتدخلن لمنع إجبار النساء على الزواج بمن لا يرغبن بهن، ويسهلن زيجات الحب.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت العصابة أيضاً في تقديم حلول فعّالة لخفض تكلفة الزواج على النساء، وبدأن بتقديم خدمات مثل الطعام للضيوف، وتنسيق الزهور، وخدمات الحناء والمكياج، في محاولة لمساعدة النساء المقبلات على الزواج وتأمين فرص عمل لأعضاء المجموعة. كما تساعد العصابة الوردية النساء على الاستقلال المادي، وتدعم مشاريعهن الصغيرة.
العصابة الوردية تتحدى السلطات:
في كثير من الأحيان لا تحرك السلطات ساكناً في الجرائم التي تستهدف النساء، خاصة إن كان المجرم من طبقة اجتماعية مرموقة. ففي عام 2007 قام رجل من طبقة اجتماعية أعلى باغتصاب امرأة من الداليت (إحدى الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي)، وبسبب مكانته الاجتماعية لم يجرؤ أحد على تجريمه أو حتى الحديث عن جرمه علناً.
وعندما اشتكى أقارب الفتاة القرويون في مركز الشرطة قامت الشرطة باعتقالهم تاركين الجاني حرا طليقاً، وهنا تدخلت العصابة الوردية لإطلاق سراح القرويين، وطالبوا برفع قضية ضد المغتصب، وعندما رفض الشرطي مطلبهن، جمعت الأخوات بعضهن وتوجهن إلى مركز الشرطة وضربن الشرطي ضرباً مبرحاً مرغمين إياه على الإفراج عن القرويين.
مع ذلك لم تفلح محاولات العصابة في القبض على الجاني وتجريمه، فقررن فضحه بشكل علني أمام الجميع، وهذا ما كان. وبالرغم من أن الضحية لم تأخذ حقها بالكامل فإن وجود نساء مثل أفراد العصابة الوردية يشكّل قوة دافعة قد تتمكن مع الوقت من تغيير واقع المرأة الهندية.
لا تستخدم العصابة الوردية العنف في جميع الحالات، إذ تلجأ النساء كذلك إلى التظاهرات والاحتجاجات كوسيلة للضغط على السلطات. في عام 2011، ساعدت العصابة شيلو نيشاد، فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً تعرضت للاغتصاب الجماعي لتحقيق العدالة.
قبل أن تصل نيشاد إلى مركز الشرطة لتقديم بلاغ ضد المغتصبين، سبقها أولئك وقدموا بلاغاً ضدها ما أدى إلى اعتقالها من قبل الشرطة. وبعد أن لجأ والد الضحية إلى العصابة الوردية لطلب المساعدة، نظمت النساء مظاهرة حاشدة للضغط على السلطات إلى أن تحققت العدالة في النهاية.
لماذا يعد وجود نساء مثل أفراد العصابة الوردية ضروريا في الهند؟
تنتشر حالات العنف ضد المرأة في كافة أرجاء الهند، خاصة في ولاية أوتار براديش حيث تأسست العصابة الوردية، إذ تصنف هذه الولاية على أنها في المرتبة الرابعة من حيث كونها غير آمنة للنساء.
ففي تلك الولاية فقط، تم الإبلاغ عن 3025 حالة اغتصاب في عام 2017، و 15898 حالة اختطاف و 2473 حالة وفاة بسبب المهور في عام 2016، وفقاً لما ورد في موقع Intersectional Feminism.
وبلغت نسبة الأمية بين الإناث 47%، هذا عدا انتشار ممارسات مثل قتل الأجنة الإناث، وتزويج القاصرات والعنف المنزلي.
وذكرت بيانات لوزارة المرأة أن نحو 37% من النساء يتعرضن للضرب والتعذيب والمهانة في بيوت أزواجهن على يد الزوج أو أحد أقاربه.
كما تشير بيانات سجل الجريمة في الهند إلى وقوع جريمة قتل ضد امرأة وحادثة اغتصاب كل ساعة، وقدرت عدد عمليات الإجهاض التي كان ضحيتها أجنة من الإناث بنحو 35 مليون حالة خلال العقدين الماضيين.