دار نيوزيس فرنسا، تصدر ديوان المقهى الأدبي الأوروعربي الأول – د. يحيى الشيخ

0
1700
أصدرت دار نيوزيس فرنسا التي يديرها الشاعر الدكتور يحيى الشيخ، الديوان المشترك الأول لشعراء ومبدعي المقهى الأدبي الأوروعربي، حيث الدكتور في العدد الأول من المبادرة نصوصا لبعض الشعراء ستليها لا شك أعداد أخرى لشعراء آخرين إسهاما منه ومن الدار توثيق كتابات المقهى الأدبي الأوروعربي ونشرها تباعا. عنوان المجموعة الشعرية هو: تراتيل لأوجاع الوطن، وتحته إشارة إلى أنه: “منتخبات لشعراء المقهى الأدبي الأوروعربي ببروكسيل”.
الديوان من الحجم المتوسط، ابتدأه الدكتور يحيى الشيخ بإهدائه إلى “مغتربي الوطن ومواطني المنفى”، شارك فيه إلى جانبه، كل من الشاعر أحمد حضراوي، الشاعر محمد كنوف، الشاعر يوسف الهواري، الشاعر مصطفي لويسي. أما الأصوات النسائية فكانت كل من الكاتبة والشاعرة حليمة تلي، الشاعرة الأمازيغية حبيبة لمسلك، الشاعرة سمية صبري والزجالة حورية مشيشي.
يقول الكتور يحيى الشيخ في فاتحة الديوان:
يعاني عرب المهجر من أوصاب مزمنة ومركبة، تمكنت منهم خلال انتجاعهم كلأ الرضاعة من أوبئة الوطن الأم، وحين الارتواء من صنابير آفات المنفى زمن الاحتماء من قيظ المجهول. وككل مصاب مجدّ في اقتناء بلاسم الشفاء، فقد وجدوا في القصيدة مُضادًّا حيويًّا لاستئصال أورام الداء، وفي الكلمة مراهم صادعة لتضميد الجراحات التي لا تنتهي أملاً في اكتساب المناعة التي تتأكد كل يوم أسباب فقدانها كلما هاجت عواصف الشرق أو استشرى فساد الحماقات في غرب الأمة.
وأنا أتردد مرارًا على مصحات الثقافة لمعالجة أوجاعي الأدبية علني أتماثل لشفاء سرمدي، وجدتني نزيلاً بمارستنان الشعر العربي بالمقهى الأدبي الأوروعربي ببروكسيل، ضيفًا على عصبة راقية من مؤسسيه، وهم أطباء القلوب النظيفة من مبدعي المهجر، من بينهم الصديقين أحمد حضراوي ومصطفى لويسي. هنا ــ في مغانيهم ــ وجدتني أتنفس الكلمة النقية من جديد، مرة كل شهر، في فترات نقاهة ما زالت تتأكد لي خلال كل موعد أدبي علاجيّ!
نعم، وجدتني بين شعراء عرب من كل الجنسيات، في ذاكرة كل منهم بقايا عاهات الوطن الأم وتشوهات ما زالت عالقة بأذهانهم بسبب أورام المنفى الخبيثة. لقد جمعنا جميعًا مستوصف الكلمة الجريئة التي التقطناها قديمًا في برارينا ونحن نجدّ في البحث عن أعشاب النزاهة البرية. لكم تعبنا، ولم نجد إلا بقايا حرمل وخزامى يصلحان لتقوية مناعة الردة، فجربناهما في مختبرات اللّاءات، فإذا هما أقوى وأعتى من المراكب التي عبرنا بها قلازم المجهول بصدور مزمنة تنط منها مساءلات سعالات مخيفة!
وكنت قبل هذا العصر الفوضاوي كثير التجوال بين مرافئ المرتدين، أعاقر قراصنة المحيطات الصاخبة بين جزر لم تتملكها السلطة ولا قدر عليها حرّاس الظلام أو زمّها أعداء الكلام. فشاء القدر لي ولسفينتي أن نرسوَ بجزيرة بروكسيل، فنجد أشرعة طائشة هناك، وسفنًا أخرى تنتظرنا لتمخر بنا عباب بحار الكلام الرزين، نحو قارات المجهول، وكلنا أمل في تأسيس وطن الأحلام في منفى جديد سيسكنه لا محالة الإنسان ويسيره الإنسان وتتعانق فيه معاني الإنسان!
لقد شاء القدر أيضًا لهذا الديوان المشترك أن يرسوَ على موانئ شيوع الكلمة في هذا الوقت بالذات لتشخيص الداء وأعراضه، والاحتفال بميلاد مارستان المقهى الأدبي الأوروعربي الجديد، ورد الاعتبار لمؤسسيه، والكشف عن الإبداعات الجديدة لمبدعيه، وتشجيع المهووسين بالكتابة من رواده ومريديه، هنا في جزر المهجر وعواصم المنافي.
وكما ترون أعزاني ــ شافانا الله وإياكم من حمى الصمت المقيت ــ، أن هذا الديوان المشترك هو عبارة عن منتخبات لقصائد شعراء مغاربة من المهجر الجديد، تجمع بينهمم قواسم المنفى الإجباري وما يفرزه من تناقضات تأتي على الأخضر واليابس في الإنسان، حين تولد حابلة بهموم شتى مرجعها الذات والوطن. لهذا وجدتني أَصدُر في تجميعها عن انطباعات ذوقية ليس إلا، لا تنم عن أي تصور منهجي ولا تستند إلى أية مرجعية نقدية.
وأنا أقوم بهذا العمل التوثيقي، قلت في نفسي : « لتكنْ هذه الخطوة حافزًا محفزًا على الإبداع وباباً يُشرع أمام أقلام ستقول كلمتها مهما تباينت مستوياتها!». ومن يدري، لعل هذا المولود المُعافى سيلهم الكثير من رواد المقهى الأدبي الأوروعربي ببروكسيل لاحتراف مهنة الكتابة والتلذذ باحتراقات لهيبها، إعلاءً لصوت الكلمة، خاصة وأن هؤلاء المغتربين أصحاب مواقف؛ وما أحوجنا اليوم لمثل هؤلاء! إن الإبداع في نظري ــ والله أعلم ــ متى صار موقفًا، خصوصًا في هذه المرحلة العصيبة بالذات، لا شك أنه سيستقر على «جودي» الشرف النزيه لينظر من أعلى إلى أرض الله والإنسان وهي تبلع ماءها ومعه أحزاب المتسلطين على أعمار الناس.
أقول أخيرًا، لقد جمعت في هذا الديوان قصائد لشاعرات وشعراء مغاربة بأرض المهجر، وهم أحمد حضراوي ومحمد كنوف ويوسف الهواري وحليمة تلّي ومصطفى لويسي وحبيبة مسلك وسمية صبري وعواطف عبد السلام. وهي إبداعات لا يوحدها إيقاع معين، إذ أن من الشعراء من يسير على نظام القصيدة العمودية ومنهم من يكتب الشعر النثري ومنهم من اختار الكتابة في الزجل. أما عن المضامين، فمنها ما هو مغرق في الذات، ومنها ما هو انطباعي ومنها ما هو حابل بالهموم الاجتماعية والسياسية. ولكن يظل الوطن والمنفى قاسمين مشتركين بين جميع النصوص.
أملي أن تجد هذه القصائد طريقها السويّ إلى المرافئ المجنونة التي سنعبر منها جميعًا ــ على سفن الخلاص ــ إلى متاهات جزر اللامعقول حيث تسود الفوضى وتنتشر شباك سراتنا الجهال. هناك سنعيد الاعتبار إلى الرزانة؛ وحين نصرخ بين أفِجّة جبال الشك صرختنا الكبرى، سيردد الصدى اللاّئي صوت الأباة : «قلْ كلمتك ودعها تأخذ طريقها!».
يشار إلى أن الدكتور يحيى الشيخ هو مدير المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس، وممثل الرابطة الأوروعربية للثقافة والفن بباريس.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here