Home Slider site حين يجتمع المال والسلطة فعلى الدولة السلام – مراد الگرجاوي
كاتب من المغرب:
منذ القديم، والمال هو الذي يتحكم في تسيير السلطات، والتأثير على مراكز القرار، وما قصة قارون إلا دليل على ذلك، ولكن لما جاء الإسلام وأرسى دعائمه ونشر تعاليمه السمحاء في أوساط الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء، أصبح أصحاب المال من أكبر المساعدين والممولين للعدالة، والمساهمين في تحقيق الأمن والاستقرار، ولنا في الصحابة والخلفاء الراشدين مثل “أبوبكر الصديق” و”عثمان بن عفان” و”عبد الرحمان بن عوف” رضي الله عنهم جميعا خير مثال. هؤلاء كانوا من أغنى الناس في الجاهلية، غير أنهم لما دخلوا في الدين الإسلامي، أصبحوا من كبار معاوني وممولي الدعوة، والدولة الإسلامية الحديثة النشأة.. فأبو بكر كان يشتري العبيد ويعتقهم بمجرد دخولهم الإسلام، وعثمان بن عوف اشترى البئر والبقيع من اليهودي من أجل أن يضمن للمسلمين حرية التصرف في الماء والفلاحة، وقام بتجهيز جيش العسرة في تبوك هو وعبد الرحمان بن عوف رضي الله عنهما، إلى غير ذلك من الوقفات الخالدة في تاريخ الإسلام..
ومن هذا نستنتج أن المال والسلطة شريكان في صناعة الدول والتأثير على مراكز القرار.
أما فيما يخص التأثير الإيجابي والسلبي في القرار فهذا يعود للحاكم أو الحزب، ولنفسية صاحب المال والنفوذ، فإن كان من في السلطة زاهدا في مال الغير، ونيته خدمة البلاد والعباد، فإن إغراءه بالمال والرشاوى لا يؤثر عليه، وأما إن كان العكس فعلى الدولة السلام.
ففي المغرب مثلا احتكر رجال المال والأعمال مجال الإعلام، فأصبحوا يملكون مؤسسات ضخمة، واشتروا صحفيين ورؤساء تحرير بالإشهار والرواتب المغرية، وسخروهم في خدمتهم، كما احتكروا أكبر المشاريع الإنمائية بفعل سياسة الخوصصة، وأصبحوا يشترون المنتخبين والوزراء وغيرهم، بفعل تمويل حملاتهم الانتخابية والرشاوى والعمولات، إذ أصبح أغلب أعضاء الحكومة المغربية السابقون والحاليون وبعض ممن مايزالون في الحكم شركاء لأكبر رجال الأعمال، سواء في الإعلام أو في غيره من المجالات. فكيف لا يؤثر هذا في التأثير على مراكز القرار؟
إننا نعيش الآن مهزلة حقيقية، كون المال الفاسد هو السائد في وقتنا الحالي، وأصبح يتحكم في كل شيء بما فيه البرلمان ومجلس المستشارين. وليس من العجب القول أن المال في عصرنا أصبح هو المحرك القوي وصانع الأحداث، حتى وإن كان صاحب المال لا يستطيع حتى كتابة اسمه، ومع الأسف الشديد هذا هو حالنا اليوم في المغرب، فبالمال يمكن أن تشتري كل شيء حتى المناصب السياسية والذمم، وبالمال يمكنك أن تتحكم في العدالة وغير ذالك.. إننا نعيش مهزلة حقيقية، كون أن المال الفاسد أصبح سائدا ومتجبرا على إنسانية الإنسان، وهذا يؤدي بنا نحو التخلف حتما. وكما هو معروف فالمال الفاسد فسح المجال للتحكم في البرلمان الذي يشرع لشعب بكامله، وهذه مهزلة ما بعدها مهزلة، عكس ما يدور في العالم الغربي، حيث العلم والمعرفة هما الشرط السائد. أما المال فهو وسيلة فقط لتحقيق الديموقراطية والعدالة المنشودتين، ونحن في العالم العربي عكسنا الآية، وهذا مؤشر سلبي لا يخدم لا البلاد ولا العباد.
يجب على كل السياسيين أن يعملوا على إيقاف هذه المهزلة، وعلى الدولة أن تضع حدا لهذا التعفن الذي أصبح يهدد أمن واستقرار الوطن، ويسيء إلى سمعتنا في هذا العالم. فالمغرب لم يعرف هذه الإشكالية إلا مؤخرا. و يجب أن نعترف بأن ظاهرة الفساد هي ظاهرة سرطانية تنخر في الاقتصاد الوطني، وتؤدي إلى تعفن الوضع الإجتماعي وتهز الحالة والثقة النفسيتين للمواطنين.
وكما تعلمون أن المال الفاسد يولد جماعات ضاغطة، تعمل على تقزيم الدولة، وتوجيه السياسي لها، وصناعة القرار، وإذا حدث هذا فإنه يجب أن نقرأ الفاتحة على هذا الوطن، لأن الدولة ستزيد انبطاحا لهذه الجماعات الضاغطة بأموال الفساد، ليزداد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان، ويزداد الوضع السياسي والاقتصادي والإجتماعي سوءا، وتذوب قيمة حب الوطن، لتنقلب إلى حب البطن، وتصبح الدولة رهينة تغول المال والسلطة.