دعاه قدره أن يكون فنانا
إنه الفنان بوزيد بوعبيد ولد عام 1953 وهو ابن شمال المغرب، ابن منطقة الريف التي تحتفظ بتاريخها الغني والجامع بين تاريخ الأندلس والأمازيغ والمتوحد في الوطن ــ المغرب ــ، واسمه هو الحامل لهذا التمازج ، فمقام السيد بوعبيد هو في الضفة الأخرى من ضفاف المغرب. والذي يحمل اسمه تيمنا به. فاسمه ونسبه يدلان على انصهار الأعراق لتشكل عرقا واحدا، أليس هذا هو التاريخ المشترك؟؟..
ويعتبر الفنان بوعبيد بوزيد من الفنانين التشكيلين المغاربة الذين ارتبطت تجربتهم باستغوار الهامشي في الذات والعالم، حيث التحق سنة 1972 بعد استكماله للدراسة الابتدائية والثانوية بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان شعبة الصباغة الفنية، ليتابع دراسته الفنية العليا سنة 1975 بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسيل، حيث سينال دبلوم الكفاءة في الصباغة الزيتية وشهادة الدروس العليا في الرسم، وفي 2004 سيقوم بتكوين في علم المتاحف الفنية بمركز الفن المعاصر بإشبيلية بمتاحف إسبانية مختلفة، وفي 2006 قام بتكوين في ترميم الأعمال الفنية بالمعهد الاندلسي للتراث التاريخي بإشبيلية اسبانيا. بوزيد بوعبيد أستاذ مادة تاريخ الفن بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان منذ 1980، وكان محاضرا بشعبة التاريخ بكلية آداب تطوان، وشغل مناصب عديدة كان آخرها مديرا لمركز تطوان للفن الحديث، كما ساهم في التأسيس لمركز تطوان للفن الحديث، والجمعية المغربية للفنون التشكيلية، وتنظيمه ومشاركته في عديد من المعارض الفردية والجماعية بالمغرب والخارج، وأيضا في الإعداد لكتاب عن تاريخ مدرسة الصنائع والفنون الوطنية، ودار الصنعة. كما أعد دليلا في جزئين عن فناني مدينة تطوان كتاب عن الفنان المرحوم المكي مغارة بمشاركة مع د.امحمد بن عبود، وكتابا عن منمنمات سيدي امفضل أفيلال، ودليلا عن الفخار النسائي بشمال المغرب، وكتب العديد من المقالات والأبحاث في الفنون التراثية والحديثة وشارك في العديد من الندوات والمحاضرات المتعلقة بمدرسة تطوان التشكيلية وبالتراث الفني والمعماري لمدينة تطوان العتيقة.
يتذكر الفنان مطلع السبعينات، يقول:
في هذه الفترة تحديدا انطلقت تجربتي الفنية وكان همّي الأول امتلاك التقنيات الأكاديمية في الرسم بتأطير وإلحاح من أساتذة تشبعوا بأصول وقواعد الرسم والصباغة والنحت علي الطين.. اتسمت بدايتي الفنية بإعجاب كبير بأعمال الفنانين الكبار الذين كنت أقلدهم وأعيد رسم أعمالهم.. وبعد انتهاء سنوات التكوين، ساقني الحظ لأتتلمذ بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسيل ببلجيكا، وهناك درست الرسم وتاريخ الفن والحضارات وهي المادة التي أدرّس اليوم بالمعهد العالي للفنون الجميلة بمسقط رأسي..
يومها برز اهتمامي بالتراث الجمالي، المادي منه أو الشفهي، ثم ساقني شغفي إلى الاهتمام بالمعمار التقليدي والمشغولات والصنائع اليدوية.. فضلا عن التجربة الموسيقية لمجموعة ناس الغيوان ومسرح الطيب الصديقي، وكذلك اطلاعي على مجموعة من البيانات والنصوص التي كانت تدعو إلى خطاب التراث والعودة إلي الجذور..
لذلك جاء اشتغالي على الزخارف الهندسية الأمازيغية في الخزف والسجاد والحناء والوشم والخط المغربي طبيعيا، حيث كنت أمتح من هذه الإبداعات لوحاتي التي تؤرخ لتلك المرحلة.. ومن ثم سيتغير خطي الإبداعي، إذ سأنخرط في نوع من التشخيصية الإيحائية البعيدة عن أسلوب الصباغة الاستشراقية.. قبل أن أن أدخل غمار تجربة الفن الذهني القائم على استفزاز المادة واعتماد أسلوب التغرية والتلصيق.
يلخص كل ذلك الناقد الإسباني و الخبير في علم المتاحف بابلو بيرموديث أعمال بوزيد الفنية إذ يراها تعتمد على تقنيات إبداعية مستفزة ومثيرة لسؤال صارخ في أعين المتلقي وفكره وإحساسه بأسلوب تعبيري صرف يثير دواخل إنسانية عدة تدور في فلك البداية والنهاية.
ويتضح من أعماله المعروضة اشتغال على حقب التاريخ يؤكده لباس الشخوص، نقرأ ذلك عبر العمامة والمحفظة.
“اشكارة” الجلدية، واشتغال على فترة المقاومة، فهناك أعمال فنية تذكرني بالفترة التاريخية التي عرفها الريف، مناضلون متراصون، عيونهم على الرموز والتراث الوطني العريق، ويتنقل بين محاور الزمن فيسافر إلى الفن عامة، يشدنا العازف على آلة القيثار. الحرب والسلام من سينتصر؟؟.. حتما الفنون.
أعماله الفنية عامة تؤرخ الوطن فيحضر الفن بدوره في جوانب كبيرة من أعماله الفنية، نعم لقد استحضرت أعماله التجربة الموسيقية لمجموعة ناس الغيوان ومسرح الطيب الصديقي.
ننتقل من جو الموسيقى الهادئ والهادف طبعا إلى لمة أطفال مأخوذين بالرموز الجدارية يولونها اهتمامهم ويقومون بقراءة خاصة لتلك الرموز، فهل هو تحفيز للأطفال لاستحضار ماضيهم الحضاري؟؟.. حتما أكيد ذلك.
في مرحلة من مراحل عمله الفني، اشتغل الفنان على الخطوط والرموز والزخارف الهندسية الأمازيغية المستوحاة من الإبداع الجمالي الشعبي المغربي، ثم سافرت فرشاته إلى التصوير الواقعي التعبيري.
كأننا أمام عرض مسرحي لوني صباغي يستدرجك لتطلع على جوانب من حضارة مضت، أكاد عبر إحدى لوحاته أرى ثورة عبد الكريم الخطابي قربها مسرح أطفال ينظرون لشيء ما أثار فضولهم فترقبوا جميعهم ما سيحدث.
يصر على أن تكون شخوص اللوحة رفقة زخارف هندسية مستوحاة من الإبداع الشعبي المغربي ممزوجا بمسحة تعبيرية تقررها حركات و وضعيات شخوص اللوحة.
فهل هو إصرار على خصوصية الموضوع و اللوحة ؟؟..
يعقب:
جاء اشتغالي على الزخارف الهندسية الأمازيغية في الخزف والسجاد والحناء والوشم والخط المغربي طبيعيا.
ولماذا بالذات استحضار هذه المرحلة والإصرار عليها ؟؟..
بعقب بسؤال:
أليس على الفن أن يقوم بدوره التاريخي وأن يقاوم، حتى لا ينال تلك الفترة الضياع؟؟..
إنه يرى أن على الفنان أن يقرأ مجتمعه بشروط اجتماعية ثقافية صباغية بشكل من الأشكال وأن يتناول الهامش والمنسي ببعض المعاني الصباغية.
س- تغترف لوحاتك موادها من أشياء مهجورة.. مرمية ومستعملة تجمعها، أو تقتنيها من الجوطية كما ورد في أحد تصريحاتك، لتمنحها وظيفة جمالية رائعة إلى جانب عناصر اللوحة بشكل عام.
س- هل هو دور تربوي تريد أن يقوم به الآخر. حفاظا على البيئة فيعود المهجور متخذا صورة الجمال؟؟
ج- مسامير.. حروف لاتينية.. مقابض.. قطع ميكانيكية متنوعة، أزرار أحجار وأتربة وعينات من مرميات توظف في اللوحة لتأخذ معنى آخر وغيرها من الأشياء الآلية والوسائط التوليفية التي تؤثث جسد اللوحة، وتمنح اللوحة ملمسا – Structur تتعدد فيه السطوح والكتل.. توظف في اللوحة لتأخذ معنى آخر وبعدا جماليا. هكذا أبني عالمي الخاص.. عالم المتعة عندي.
فمن الحارات والساحات الشعبية أغترف موضوعاتي، تناديني وأرى بعين الداخل ما ستعكسه هذه المواد والأشياء المهجورة. المرمية والمستعملة، قد أجمعها أو أقتنيها من الجوطية عساني أمنحها شكلا جماليا آخر ووظيفة جمالية إلى جانب عناصر اللوحة الأخرى..
نتأمل أعماله الفنية الواقعية التعبيرية وإلصاقاته ـــ الكولاج ــ فنقرأ عبرها جديده وتفرده الثقافي الفني ومستحدثاته عامة.
نعم صدق أديب قرأت له يوما تعليقه على أعماله الفنية، حين قال:
“الرسام الفنان بوعبيد بوزيد، هو فنان أغنى الساحة الثقافية بمدينة تطوان، مسقط رأسه، سواء بكتابته عن رجالاتها، أو بالإشراف على البحوث الميدانية لطلبته في شعب المعمار القديم لمدينة تطوان، وفن الخزف ببواديها وغيره مما يدخل في التاريخ الحضاري لهذه المدينة. إن التوليفات الجديدة والمتميزة بغناها في تجربة الفنان بوعبيد يمكن اعتبارها امتدادا لكولاج أعمال فناني ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي أصبحت تنعت بفن التجميع والتعشيق، القائم على إنجاز أعمال موجودة أصلا..
لقد ظل الفنان بوزيد بوعبيد مبدعا كبيرا يعرف كيف يعالج الفضاء -فضاء اللوحة- ويطوّعه لصالح الفكرة كشكل من أشكال الانخراط الحداثي في المفاهيمية الجديدة المؤسسة على قاعدة نظرية يمتزج فيها البعدان التاريخي والفلسفي بالجمالي”.
وانتصارا لآفاق التواصل بين الشعوب الإنسانية، وكونية المعرفة كرمت الأكاديمية الفرنسية للاستحقاق والتفاني في العمل التطوعي، بتطوان، خلال حفل ثقافي، مجموعة من الفنانين التشكيليين المغاربة من جيل الرواد والشباب ومنحتهم أوسمة استحقاق وشهادات تقديرية، هم:
سعد السفاج وعبد الكريم الوزاني وبوزيد بوعبيد من جيل الرواد، وحسن الشاعر وعبد العزيز زرو ومحمد ارجدال ومحمد مرضاوي ومحسن حراقي ومصطفى اكريم وأمين القطابي من الفنانين الشباب خريجي المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان.
وأكد رئيس الأكاديمية الفرنسية جان بول دي بيرنيس، أن هذا التكريم “لم يكن اعتباطيا بل للدلالة على التطور الهام الذي عرفه مجال الفن التشكيلي المغربي وموقعه المتميز في الساحة الفنية الدولية، وكذا تعبيرا من مؤسسة فرنسية عن ما يكنه الفرنسيون للفنانين والمثقفين المغاربة من تقدير واحترام.