حوار مع الشاعرة اللبنانية د. كوكب دياب – ذ. نصر سيوب

0
1505

 

  • “مَنْ أكون”: اسمي كوكب ديب دياب.. أبصرت النور في آب 1968 في قرية صغيرة جميلة دائمة الاخضرار والينابيع، في شمال لبنان، تدعى “عدبل” وهي من قرى قضاء عكّار.
    نشأت وترعرعت في كنف أسرة فقيرة مُحبّة عطوف.. لي ثلاثة إخوة وأخت واحدة.
    تلقيت علومي الأساسية في مدرسة القرية، وعلومي الثانوية في ثانوية “حلْبا” الرسمية الكائنة في مركز القضاء. أما دراستي الجامعية فقد تابعتها في الجامعة اللبنانية.. وفي كلّ مراحل تحصيلي العلميّ كنتُ متفوّقة لدرجة لفتت أساتذتي.. وذلك بفضل الله ورضا أهلي!
    اخترتُ اختصاص”اللغة العربية وآدابها”.. وكان ذلك بهدفين: أن أفهم القرآن الكريم ولغته وبلاغته بنفسي.. وأن أجيد كتابة الشعر العربيّ! رغم أنّي في البدايات جذبتني كتابة الشعر باللغة الفرنسية!

حصلت على دكتوراه دولة (فئة أولى) من الجامعة اللبنانيّة عام 2000 (بدرجة»جيد جدًّا « مع تنويه اللجنة المناقشة)، وذلك في اللغة العربية وآدابها.
نلتُ شهادات تدريبية عدّة في تدريب المعلّمين من ACADEMIE DE VERSAILLES ، ومن SEVRES -CIEP  باريس، ومن المركز التربوي للبحوث والإنماء- بيروت.
كما نلتُ شهادات في تدريبي لأساتذة التعليم الثانوي على مشروع «وورلد لينكس world links  المنطقة العربية» للتنمية المهنية والتكنولوجية للأساتذة الثانويين في لبنان.

  • أستاذة محاضرة ومشرفة على مقرّرات التدريب العملية في الجامعة اللبنانية.
    • عضو الهيئة العامة في المجلس العالميّ للّغة العربية المنبثق عن مؤتمر اللغة العربية أمام تحدّيات العولمة.
    •  باحثة في العلوم اللغوية والتربوية الحديثة..
    •  شاركت في مؤتمرات عربية وعالمية وألقيتُ أبحاثاً ومحاضرات في اللغة العربيّة، منها «مؤتمر اللغة العربيّة أمام تحديّات العولمة..».
    •  شاركت في إعداد مؤتمر خاصّ بعنوان «اللغة العربية إلى أين؟ » في جامعة الجنان-طرابلس، كما شاركت في إعداد نشاطات ثقافية وأدبية مختلفة منها: “تحية إلى الأديب الراحل محمد الماغوط”، في إطار نشاطات معرض الكتاب السنوي الثاني والثلاثين في معرض رشيد كرامي الدولي بطرابلس..
    •  رئيسة تحرير مجلّة «الجنان» العلمية التي تصدر عن مركز الأبحاث والتنمية (سابقًا).
  • لي مجموعة من الأبحاث والمقالات التربوية المنشورة والمقابلات الإذاعية (في مجالات السلطة المدرسية والتعليم والتدريب والإبداع واللغة)، والمقالات الأدبيّة والاجتماعيّة (في مجال المرأة والسلطة والأسرة والإسلام والعولمة)، والزوايا اللغوية.. والقصائد الشعرية وذلك في عدد من الصحف والمجلات العربيّة والمحلّيّة..
     •ولي مؤلّفات وأبحاث عدة في اللغة وتعلّمية اللغة منها:
    “الاتجاهات الحديثة في تعليم مهارات اللغة العربية”:YGKPRESS   طرابلس، 2012  622 صفحة.
    “خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجّة الحموي – دراسة وتحقيق”: دار صادر، بيروت، 2001، خمس مجلّدات، 2500 صفحة.
    “كيف تكون معلّمًا ناجحًا”: ( دليل للمعلّم في طرائق التدريس التربوية وتقنيات التعلّم والتعليم الحديثة، وطرائق التخطيط والتقويم،…),YGKPRESS  طرابلس، 2006، 512 صفحة.
    “معجم الأخطاء الشائعة أو « قل… ولا تقل…»”:المؤسّسة الحديثة للكتاب، طرابلس، 2003، 360 صفحة.
    “جامع الدروس العربية – عناية وتحقيقًا”: المؤسّسة الحديثة للكتاب، طرابلس، 2004، 616 صفحة.
    “قاموس الحيوان”: جروس برس، طرابلس، 1995 ،640 صفحة.
    “المعجم المفصّل في الأصوات”: جروس برس، طرابلس، 1996،256 صفحة.
    “المعجم المفصل في الأشجار والنباتات في لسان العرب”:دار الكتب العلمية، بيروت،2001، 328 صفحة.
    “سبل تجدد اللغة العربية: صراع اللغات وحوار الحضارات”:2002 ، مؤتمر اللغة العربية أمام تحديات العولمة.
    “اللغة العربية الواقع واستشراق المستقبل:” 2003، مؤتمر اللغة العربية أمام تحديات العولمة.
    “الثقافة العربية أمام تحدّيات العولمة”:2003، مؤتمر اللغة العربية أمام تحديات العولمة.
    “الخط العربي بين الماضي والحاضر”:2005، مؤتمر اللغة العربية أمام تحديات العولمة.
  • كُرّمتُ مع ثلّة من الكتّاب العكاريّين في «يوم الكاتب العكّاري» الذي جرى الاحتفال به في عكّار بالتعاون والتنسيق مع وزارة الثقافة والتعليم العالي صيف 1995..
    •نلتُ كلمات شكر وشهادات تقدير عدّة في مجالات مختلفة..
     •نلت أوّل لقب أدبيّ «الكوكب الدرّيّ » عام 1996 كان أطلقه عليّ الشاعر الدكتور الأمير جهاد الأيوبيّ رحمه الله. وكان الشاعر الأردنيّ الكبير سعيد يعقوب، قد أكرمني بلقب «كوكب الشعر العربيّ» عام 2013، والشاعر يعقوب هو عضو في العديد من الهيئات الثقافية أبرزها رابطة شعراء العرب، واتحاد الكتاب والأدباء الأردنيّين، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية.
    • عارضَ بعض قصائدي شعراء كبار عرب ولبنانيون…

– “المؤثّرات الكبرى في شعري”: الطبيعة الجميلة حيث أقطن، الحرب اللبنانية الداخلية والخارجية، الظروف المأساوية التي لا يكاد بيت في لبنان يخلُو منها أثناء الحرب الأهلية، والنجاح المستمرّ الذي أوجدَ لي في مجتمعي العمليّ من الحسّاد والحاقدين ما لا يصدّقه عقل ولا يهدأ به قلب!
ومن القراءات التي تركت أكبر الأثر في كتاباتي: القرآن الكريم أوّلاً، ثمّ نهج البلاغة، وجميع شعراء البديعيات النبوية.. بالإضافة الى شعراء النقائض في العصر الأمويّ… وابن الرومي وأبو العتاهية والمتنبي في العصر العباسي، ولا أنسى ما تركته فيّ كتابات الأديب اللبناني جبران خليل جبران والشاعر السوري الكبير نزار قباني… والشاعرة الصوفية رابعة العدوية.. وغيرهم كثر…

– “أن تكون شاعرا”: لا يمكن للشَّاعر إلا أن يعيش الجمال، الألم، الحزن،… أينما صادفه أو سمع به.. وأن يشعر بذلك ولكن بطريقة مختلفة، فأن تكون شاعرا هو أن تكون مختلفاً في مشاعرك، في كلامك، في حركاتك، في أسلوبك،.. أن تظهر علامات الشعر عليك وأنت تتحدّث ، أو تمشي أو تسدي نصيحة أو تعبّر عن مشهد صادفك وأنت تتألم.. أن تكون شاعرا في كل شيء يعني أن تتأثر بكل شيء وتؤثّر في الإنسان في كل مكان وزمان… وأن تحيا كلّ جوانب الحياة الإنسانية وأن تتنفّس شعراً، وتمارس الشّعر في كلّ ما ترى أو تشعر…

– “الحزن والكبرياء”: ما يخيّم على وطننا ومجتمعاتنا من غيوم الحزن لا يمكن إلا أن تخيّم ظلاله على كلماتنا الشعرية.. فمن الظلمات تنبعث الأنوار.. ومن الألم ينبعث الأمل، ومن بستان المشاعر المشبعة بالحزن والأسى تخرج ورود الشعر من أكمامها.. فلولا احتدام الغيوم السوداء لما أحسسنا بعدها بأشعة الشمس، ولولا الأحزان القائمة في صدورنا لما انبعثت من مشاعرنا آيات الفرح والجلاء.. ولولا مشاهد الظلم والإهانة التي تتعرض لها صورة المرأة في مجتمعاتنا الذكورية التي ما فهمت من الرجولة إلا الذكورة لما كان هذا الكبرياء الرافض..

– “أول ما كتبت، وأول ما نُشر لي”: كتبتُ خربشاتي الأولى وأنا في الثالثة عشرة من عمري لا أدري أنها شعر حتى تعلّمت قواعده الأساسية من عروض وقافية … ثم استهوتني فكرة التوظيف والتأليف على كلّ بحر كنّا ندرسه.. فلفتُّ نظر أستاذ اللغة العربية آنذاك (الشيخ عبد القادر الزعبي –أطال الله بعمره) فشجّعني وآزرني وأخذ بيدي.. حتى صرت أكتب نظما أكثر مما هو شعر.. ولم أكن آنذاك أنحاز إلى بحر دون غيره..
وكانت أكثر كتاباتي في البداية أبياتاً أو مقطوعات قصيرة لا قصائد.. حتى حباني الله بأستاذ شاعر في المرحلة الثانوية (هو أستاذي الشاعر أحمد الحلبي) فراح يوجّهني.. وكان هو أوّل من اطّلع على ما أكتب من قصائد.. وأوّل من حفزني على النشر.. وإن كنتُ لم أنشر شيئا آنذاك..
كان أول ما كتبته مقطوعات في الوطن وفي الزهد والوجدانيات… احترقتْ جميعها إثر حادثة مؤلمة توقّفتُ إثرها عن الكتابة بضع سنوات.. ولكني ما زلت أذكر بعض أبيات من قصائد تناثرت في الذاكرة، منها بعنوان “رفاقي”:
فهيّا استعدّوا لجهدٍ جديدٍ= لتثمر عند الجهاد الجهودُ
فلن تضعف العزم فينا صعابٌ= وليست تعيق خطانا الجرودُ
فمنّا المجدُّ ومنّا المُجيدُ= وليس لدينا لجهدٍ حدودُ
إذا نحن لم نلغِ بالعلمِ قيدًا= فكلُّ العلوم لدينا قيودُ

وفي الوطن أذكر أول قصيدة “وطني” (أثناء الأحداث اللبنانية الداخلية) مطلعها (من الطويل):
نُقِلتُ إلى المشفى وفي العينِ قرْحُ = وفي القلبِ من آثارِ حبّكَ جرحُ
أما أول قصيدة منشورة أَرْبت على ثلاثين بيتاً… فقد كانت في رثاء أحد أساتذتي الكبار وهو الدكتور جهاد الأيوبي (أحد أمراء العائلة الأيوبية) وهي عائلة تاريخية معروفة يتميّز معظم أبنائها وبناتها بقول الشعر فطرةً وسليقة..
مطلع القصيدة ( من الخفيف) منشورة في مجلة “التقوى” اللبنانية:
إسمُ من في العلى نعَتهُ الفتوّةْ= فارسٌ لم يرَ الزمانُ كُبوَّهْ!؟
أعزيزٌ لم يحْن صلباً لخلقٍ؟= وأميرٌ لم تسْمُ هامٌ سموَّهْ؟!

وبما أن هذه القصيدة كانت النصّ الأول الذي قمتُ بنشره – وما كان هدفي النشر بداية- فقد كان لها أكبر الأثر في نفوس الأصدقاء ولا سيّما أصدقائي وأصدقاء الشاعر المَرثيّ…
ثم تلتها بعد ذلك في النشر قصيدة من مئة بيت وبيت بعنوان “لا دعوة إلا في العمل” مطلعها: (من الخبب):  
لم أملك سيفًا يحميني = فسلاحُ الحقّ سيكفيني
وخاتمتها : فالشمس وإن غابت شمسٌ = والحق وإن أفنى ديني

– “تأثير الأماكن والفضاءات والذكريات”: لقد تركت الأماكن والطبيعة الجميلة حيث أقطن – من حيث لا أدري- موسيقى ومفردات خاصة في ما أكتب على الدوام ، وإن كنت ولدتُ وترعرعتُ في ظلّ أحداث وظروف مؤلمة دامية شهدها لبنان منذ سنة ولادتي…
إلا أن التحدّي لظروف كهذه من أجل الاستمرار بدا واضحًا في كتاباتي…
أذكر قصيدة في “النجاح” مطلعها (من البسيط) :
الحقل يزهر والأشجارُ تخْتضِرُ= والقطْفُ دانٍ، فها قد أينع الثمرُ
والكلّ يبني وفي آلامِه أملٌ = والسورُ عالٍ وقدْ حاطتْ به السّوَرُ…
وكان لـ “الذكرى” نفسها عنوان بين قصائدي مطلعها:
الذكرى تشعل إحساسي = والدمعة تحرق أنفاسي
وكان للأماكن والأزمنة والأرض التي درجتُ عليها تأثير بارز في “مطوّلاتي”، وفي هذا أقول للآتي من البعيد: (من التفعيلة)
“أللهْ… معَكْ”!
لن أتبعَكْ
لن أتركَ الأرضَ التي
هي قطعةٌ من مهجتي..
أو أتركَ الجوَّ الفسيحْ
لأُنيرَ جَوَّ العُلْبةِ…
بل إنّ لي جَوّي المُريحْ
في جنّتي…
في دارتي وحديقتي
لا يا أخي، لن أتبعَكْ…
مَنْ كانَ أكثرَ عاطفةْ
وتعلّقًا في أرْضهِ
فَلْيُتَّبَعْ
إذ إنّه لم يَستَطِعْ
إنْ زَعْزَعَتْهُ العاصفَةْ،
مِنْ بعضِهِ
أن يُقْتَلَعْ،
ويَعِزُّهُ أن يَقْلَعَكْ…
“أللهْ… معَكْ”!
– “لحظة الإبداع وطقوس الكتابة”: ليس للإبداع عندي وقت محدّد.. إلا إذا أردت النظم وهذا ما لم يعد يسْتهويني كثيراً إذ تبدو الصنعة صارخة فيه..
ولكن غالباً ما أستيقظ من نومي فأجدُني أردّد أبياتاً قد تصل إلى حدّ القصائد.. فأسارع إلى كتابتها قبل أن تفلت منّي إلى الأبد..
كيف ذلك؟ لا أدري! فكثيراً ما تؤرّقني وتقلقني أمور وشجون قبل نومي، وقد تصحبني أثناء نومي، فأستيقظ في هدْأة الليل، بعد مُنتصفه، وعلى لساني أبيات أو مقاطع أو قصائد لا أدري هل نظمتها في الحلم أم أتى بها الارتجال فور استقباله اليقظة…!؟
وأحياناً أخرى.. وفي قمّة التعب والإرهاق وفي بحر من الضجيج والانكباب على العمل، أجد نفسي خرجت من هذا العالم إلى عالم شعريّ مريح، وبدأت أقول الشعر في نفسي أو أكتبه في هاتفي -كي لا يضيع- أو في أوراق ترافقني غالباً أثناء ذهابي وإيابي من وإلى عملي ..
حتى إنّي لأنسى نفسي مرّات كثيرة محلّقةً في عالم الشعر، وأنا في طريقي إلى عملي أو في مكان عام يعجّ بالفوضى والحزن.. فأنسى ما حولي من أصوات أو حركات أو أشياء أو مناظر أو أشخاص… وكأنّ حواسّي الخمس لم تعد متصلة بالعالم الخارجيّ..
وما لا أفهمه أني أحياناً أكتب باستمرار.. ولا يكاد يومٌ يفلت منّي حتى أنجز قصائدي الطويلة.. وأحياناً تمرّ شهور كاملة لا أكتب فيها بيتاً واحداً من الشعر..
كما أن للهدوء والظلمة والانفراد في الطبيعة الغنّاء إسهاماً كبيراً في خلق أفكاري وصوري.. ففي الطبيعة من الصور التي تجعلني أشعر بغرابتها حيناً، فتدفعني إلى الحنين إليها رغم عدم رؤيتها من قبل.. ولعلّ هذا هو الحنين إلى ما في الذاكرة من متشابهات.. وأحياناً أخرى أرى أشياء جديدة غريبة في أماكن طبيعية أعرفها وتعرفني..

– “الحالة الإبداعية”: أما الحالة الإبداعية فقد تبلغ أوجها في أوج انفعالي، ولكن أكثر أوقات جلائها هو بعد أن أستيقظ من نومٍ نمتُه وأنا في قمةّ الانفعال.. فأجد القصيدة تتدحرج على لساني وتحكمني بمفرداتها وصورها ووزنها وأسلوبها الذي لم أفكّرلحظة باختياره…

– “الأصول الفكرية لإبداعي”: أمّا بالنسبة إلى الأصول الفكرية فلا شكّ أن القرآن الكريم والفلسفة العربية قد أثرّا فيّ تأثيراً كبيراً، بالإضافة إلى الدراسات التي تناولت الحضارات والديانات والثقافات على اختلافها، ولا سيّما ما احتكّ منها بالفكر العربيّ الإسلاميّ والحضارات الشرقية…
هذا بالإضافة إلى مواضيع الشعر العربي القديم ولا سيّما الملتزم منه.. وبعض الشعر العربي الحديث..

– “جذور تنشئتي الشعرية”: ربما تعود جذور تنشئتي الشعرية إلى الإحساس بعنصر الجمال الذي تتمتع به طبيعة ضيعتنا الريفية، وإلى الشعور المضطرب بالحرمان والخوف والحزن والألم، الذي كان يغذّي الحاجة في نفسي إلى وطن آخر أكثر أماناً ودفئاً وفرحاً، فأصنعه بداخلي وخيالي صوراً تسيل شعراً ملوّناً بألوان الحالات التي أحتاج إليها..
فالشعر لا ينبع إلا من جراح القلب، ولا يولد إلا من رحم الأحزان، ولا تتفتّح أزهاره إلا بعد عواصف هائلة من الألم والوجع.
وأعتقد أن هذه المشاعر لا تترك قلباً بلا جرْح.. ولكن لا بدّ من قلم مصقول يساعد القلب على البوح..
ولعلّ هذا ما جعلني أخوض غمار الشعر، بالإضافة إلى موهبتي البسيطة التي صقلتها بما تابعته من علوم الشعر والكلام لفظاً ومعنىً..
وفي هذا قلت في غير مكان من إحدى مطوّلاتي:
علّمتني أنّ الشِّعرْ
اِبنُ الشعورْ
حيثُ الفِكرْ
نارٌ ونورْ
علّمتَني أن أرتقي
بالشِّعرِ، بالنَّثرِ النَّقي
وأغوصَ في كلِّ البحورْ!

 

– “ماذا يعني لي الشعر”: الشعر هو وطن بديل جميل لا قتال فيه ولا حقد، ولا ضغينة، ولا حروب، ولا مصلحة، ولا حرمان، ولا خوف، ولا مرض، ولا حاجة… ألجأ إليه ساعة أشاء، فأجد فيه علاجاً ناجعاً، وصحةً، وأمناً، وأماناً، وحبّاً، وسلماً، وسلامة، وسلاماً.. هو وطنٌ أعيش فيه ويعيش فيّ.. أطير وأحلّق فيه بلا طائرات، ولا أجنحة، وأحطّ أينما أشاء..
وقد أسافر إلى شعر غيري بلا “فيزا” أقرأه وأتذوّقه، فأجد فيه ملجأ ودواءً…!

وفي هذا قلت في غير مكان :
فالشِّعرُ ليس بِمِصْيَدَةْ
بل دمعةٌ تُطفي الجَوَى وتَنَهُّدَهْ
وتُخفِّفُ النيرانَ تحْتَ الأفئدةْ…
ليس المُهمّْ
أنّا نبالغُ في البلاغةِ والصوَرْ

أو نسكبُ المعنى بألفاظٍ دُرَرْ…
إن الأهمّْ
أن يَسكبَ الشعرُ الدّوا حيثُ الأَلمْ
حيث الجراحُ الخالدَةْ
لا تُبْتذَلْ
حيث المشاعرُ واحدةْ
عند البشرْ
لا تُختزَلْ…
رغم القِدَمْ
لمـّا تزَلْ
مُتجدّدَةْ
مُتزايدةْ

فالشِّعرُ في قلبي لهيبٌ دائمٌ
والشِّعرُ عندكَ ما تجاوَزَ إصبعَكْ

 

– “العوائق”: أهمّ العوائق هو مجاراة لغة الجمهور وعدم اقتناعه بقدرة المرأة على مجاراة الرجل في الإبداع؛

شاء القدرْ ..
أن تستمرّْ…
أنت الرّجلْ ..
وأظلَّ طيفًا لامْرأةْ..
في سطرِ عُمْرٍ مُختزَلْ
لم يستطعْ غيري أنا أنْ يقرَأهْ…

يا باحثًا عن هَفْوتي
بقصيدتي
هلاّ عثَرْتَ بهَفْوتِكْ…
بقصيدتِكْ؟!
أم صرْتَ تمشي في صفوفِ الأنبياءْ
والشِّعرُ باتَ بخدْمتِكْ
والأولياءْ
باتوا معكْ؟!
– “الأقوى في عملي”: لكلّ من الحضور الذاتي والهمّ الوطنيّ والتجربة الأدبية حصّته من عملي الشعريّ الفصيح والعامي على حدّ سواء… وإن كان الحضور الإنسانيّ والذاتيّ هو الأقوى..

 

– “الحرية والالتزام الأدبي”: أنا حرّة في شعري ولكن ضمن حدود الالتزام الأدبيّ.. فالإبداع والحرية توأمان.. شرط ألاّ تتحوّل الحرية إلى فوضى هستيرية في بنية النصّ الشعريّ وإطاره الموضوعيّ..

– “منطقة التوتر بين النثر والشعر”: بالنسبة إلى ما يسمّى بمنطقة التوتر بين النثر والشعر فهي غير موجودة عندي.. فالشعر شعر والنثر نثر، وإن تقاطعا ببعض العناصر فبينهما برزخ واضح، فأنا عندما أكتب نثرًا أحترم قواعد النثر، وعندما أكتب شعراً أحترم قواعد الشعر، وإن كنت أميل في كليهما أحياناً كثيرة إلى مواكبة المعاصرة في الشكل واللفظ.. ولكن دون التخلّي عن الأصالة والهوية التراثية..

 

 – “ما يطالبني بموقف شعري”: أكثر ما يطالبني بموقف شعوريّ قبل الموقف الشعري هو الوضع الراهن في بلدي.. وقسْ عليه الأوضاع الراهنة في مختلف الأقطار العربية.. فموقف الشاعر قبل كلّ شيء هو موقف الإنسان تجاه أخيه الإنسان بغض النظر عن لونه وانتمائه وبَصْمَته وطوله وعرضه… وقد يظهر موقفي ساخناً بكلمات وهواجس وعبارات قد لا تمتّ إلى الشعر بِصلة.

– “وطني الشعري”: تعدّدت الأوطان ولي منها واحد: هناك الوطن السياسي، ووطن الأحزاب، والوطن الطائفيّ، ووطن الأشخاص ووطن اللصوص … ووطن النصوص…

ووطني الشعريّ هو النصّ الإبداعيّ الذي يجمع الإنسان وأخاه الإنسان إلى أجل غير مسمّى… فبشعري ووفق مخيلتي ورؤاي أمنح وطني خصوصية كخصوصيتي، كما أمنحه لغتي ومخيّلتي .. لهـذا فـإنّ في وطني الشعريّ حرّية، واحتراماً، وعدالة، ومساواة، وحضارة، وإنساناً، وتسامحاً، وإخاء … فوطني الشعري متجدّد ومبدع باستمرار.. وأجمل ما في وطني أن أقف وسط الركام والنار والدمار لأصوغ منه وطناً آخر، بلغةٍ مختلفة، ومخيلةٍ محلقة، وأحاسيس مرهفة …

– “ماذا تعني لي الكتابة”: الكتابة بالنسبة إليّ هي وطنٌ لا ألمَ فيه ولا حزن، بل هي ملجأ آمن لا خوف ولا اضطراب فيه…
هي نوافذ إلى عالم آخر لا دمار ولا فساد ولا خراب ولا من يحزنون…
هي ردّ اعتبار للمرأة في خضمّ بحر هائل من أشباه البشر…
هي امتداد لعالمي الخاص الذي أرسمه في مخيّلتي…

– “بِمَ تأثرت كتاباتي”: كأيّ لبناني، لا بدّ من أن تتأثر كتاباتي بالمناخ السياسيّ السائد.. لكنّ هذا التأثير لم يكن سلبيا .. بل وقفت من بعيد أنظر إلى بلدي ذي الوجه الحضاري المميز، بلدي الذي يجمع بين أحضانه ثقافات عدة، وحضارات عريقة، ويؤاخي بين الإنسان والإنسان، ويربط بين أصالة الشرق وانفتاحه على الغرب.. بلدي الذي تعلّم الحرف وعلّمه للعالمين نوراً.. بلدي الذي لم يألُ جهداً في تقديم أفضل صورة للعالم عن المواطنة، وحرية المعتقد، والتفكير، واحترام بصَمات الاختلاف بين الشعوب والأقوام ..بلدي الذي أراه في الطبيعة، والناس، والعلم، والفكر، والإحساس…
هذا بلدي الذي صوّرته في معظم قصائدي .. ولم ألتفت إلى ما فعله حضرات الأشخاص به وبشعبه، وهم يلهثون وراء مصالحهم الشخصية، وأنانيتهم الصمّاء.. وهذا ما أشرت إليه في “كلمة صغيرة بنت ساعتها “..
لبنان كما كان سيبقى.. تعصف به الآن رياح غريبة تأتيه من هنا وهناك.. لكنه سينتصر عليها ككل مرة.. وعلى العكس منها سيفيد منها دون أن تنال منه، وسيعود إلى قبلته الثقافية والعلمية والأدبية… فمهما انحنت أشجاره الباسقة، ومهما أفقدته العلل الحاقدة مناعته، ومهما تكالبت عليه الأطماع والأحقاد والنفوس الدنيئة… سيبقى وسيعود أقوى.. لأن حضارة مميزة عمرها آلاف السنين لا يمكن لها إلا أن تبقى.. وليس بعد الشتاء القارس إلا الربيع المزهر والصيف المثمر..
وكما كان للمناخ السياسي أثر في كتاباتي كان للمناخ الطبيعي أثر أكبر فيه، وقد سبق أن أشرت إلى ذلك..
وغالباً ما تجمع بعض قصائدي بين المناخين السياسي والطبيعيّ، منها قصيدة “قانا الجليل” التي مطلعها: (من الكامل)
لا تسألوا لبنان عن قانا الجليلْ= وهل السؤال يكون عن مجدٍ أثيلْ؟!

وقصيدة أخرى في عيد الأمّ في أوّل الربيع مطلعها: (من المتدارك)
ها الربيعُ رأى عيدها فارتمى= فوق أقدامها خائفاً فاحتمى

قدّم الورد من شوقه هامساً:= إنني باقة من هدايا السما

ولهذا لا تكاد تخلو معظم قصائدي من الحدث، سواءً كان حدثاً أمنيّاً أو سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافيا أو غيره… فهو لا يشكّل عنصر تحدٍّ لي، بقدر ما يكون باباً للدخول إلى رسم وطنٍ أنموذجيٍّ آخر أصوغ عناصره من ذاكرتي الثقافية والفكرية المصوّرة… لكنني لا أشعر بالرضا عن نفسي، إذ إنني حتى الآن ما زالت القصيدة التي أريد أن أكتبها تراودني .. وعندما آتي لأكتبها أكتب غيرها، وهي ما زالت تنتظرني وأنتظرها!!

 

– “قصيدتي المستحيلة”: قصيدتي المستحيلة هي التي لم أكتبها بعد.. هي التي تنبع من آلام الإنسان في وطني الكبير، فتصوّر النهايات قبل أن تقع،… وتستقرئ الآلام الآتية، من خلال البدايات.. لعلّها بحرف، بكلمة، بصورة، بحكمة،… تغيّر مسار الأمّة، وتحوّل طريق السير من السفح إلى القِمّة…، وتعيد التاريخ كلّ التاريخ إلى الذاكرة، قبل أن يعيد نفسه على أيدي السماسرة، … وتعيد العقول والقلوب إلى النفوس الشاغرة.. تلك القصيدة التي ستأتي إليّ فتكتبني لأكتبها، وتلقيني لألقيها…

 

– “معلقاتي”: ما هي إلا كلمات متواضعة تصدر عنّي بحالة لا شعورية مفعمة بصدق الإحساس ودقة التصوير لما فيّ وما حولي من مشاعر وتفاصيل… وكان أغلب هذه “المعلقات” من شعر التفعيلة…
ولا يسعني هنا إلا أن أضع بعض المقاطع من قصيدة طويلة جدًّا قد فاقت 200 صفحةً أو عمودًا… بعنوان “الله… معك”!
يا قلبُ، قُلْ، ما أوجعَكْ؟
تَهوَى إلى الأفْقِ الرَّحيلْ
وأنا معَكْ؟
وإلى الزمانِ المستحيلْ؟
“أللهْ… معَكْ”!
لا أبْتغي أن أتبعَكْ…
فأَشَدُّ ما أخشاهُ في
ذاك الرَّحيلْ
أن يَنثَني قلبي الوَفيْ
عنْ حبِّهِ السّامي النّبيلْ
عن أحْرُفي
عن مَوقِفي
فَأودِّعَكْ
وأنا معَكْ…
“أللهْ… معَكْ”!
– “العولمة ودور الشاعر”: أما العولمة فهي، قبل كلّ شيء، سيطرة ثقافة من الثقافات على غيرها من الثقافات الأخرى .. أو هي “عولبة” (بالباء) الثقافة المسيطرة وتصديرها إلى البلاد الأخرى، بهدف الهيمنة عليها وسلبها هُويّتها وخيراتها وثقافاتها لمصلحة الثقافة المهيمنة…
ويتم هذا التصدير من خلال وسائط متعددة أبرزها القنوات التلفازية ومواقع الانترنت والمناهج المدرسية والمجلات التربوية وغيرها… وما من أحد يمكنه أن يوقف اجتياح ثورة المعلومات التي أصبحت بها كل المعلومات مشاعة لكل البشر…
هذه المعلومات والعمل بها والتقليد الأعمى لها ألغت الحدود بين الدول وزادت نسبة التشابه بين المجتمعات والمؤسسات على أنواعها… حتى كاد العالم بأسره فعلاً يتموقع في بيئة واحدة أطلقوا عليها “القرية الكونية”..
وما تسعى إليه اليوم الدول المهيمنة لدراسة الظروف المختلفة في بلدان العالم الثالث ليس إلا من أجل تحديد عوامل التفكك الاجتماعي والثقافيّ، لصياغة برامج في مجالات التنمية المختلفة، تقوم على توجيه بوصلة التغييرات داخل هذه الدول الوجهة التي تريد، وضبط اتجاهات التغيير فيها بالشكل الذي يصبّ في مصلحة الدول المهيمنة!
وبكلمة أخرى العولمة هي تسلّطٌ ثقافيٌّ لمحاولة إذابة الثقافات الأخرى وحضاراتها ضمن الثقافة الجديدة المتسلّطة.
بالإضافة إلى كونها سيطرة اقتصادية رأسمالية سياسية عسكرية، تظهر من خلال فرض آليات معيّنة من التعامل على الدول النامية والضعيفة، وذلك في سبيل الاستهلاك التجاري لمصلحة الشركات التجارية الكبرى والدول العملاقة .
وإن كانت تتداخل في “العولمة أمور السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والتربية والسلوك، فإن التحدّي يطاول الفكر والثقافة واللغة والهوية … وما لم نتنبّه إلى هذا فنحن سننجرف أمام التيار الأقوى ولن تقوم لنا قائمة بعد ذلك…
لذا أرى أن دور الشاعر في أقطارنا، كغيره من الأدوار الفاعلة في التصدي لذلك الذوبان، لا يقتصر على قوله الشعر، بل يتعدّاه إلى أهداف أخرى سامية تخدم العالم العربي والإسلامي بفكره ولغته وثقافته… حتى نواجه هذا التحدّي على الأقل بالمحافظة على هوّيتنا وثقافاتنا وفكرنا ولغتنا بما أوتينا من قوّة … ولا أعتقد أن تمازج الحضارات وانفتاحها على بعضها والاستفادة من ذلك سيلغي لدينا هذه الهوية…
ولا ننسَ أننا مع هذه العولمة بات يقال عنّا – نحن العرب-: يكفي أن يقال “قال فلان” فنتوقف عن التفكير، ويكفي أن ينتج غيرنا فنتوقف عن الإنتاج فيقتصر دورنا على الاستهلاك، ويكفي أن تُثار بيننا الخلافات العرقية والطائفية والسياسية لنقوّي غيرنا … ويكفي أن يقوى غيرنا بمجرّد قتال بعضنا….
نعم … للشاعر دور المعلم الذي به نصنع التفكير ونصنع القوّة والحرية الملتزمة ومقوّماتها، ونصنع الهوية ونصنع الإبداع ونصنع تربية احترام الآخر، ونصنع التاريخ … ونصنع شعراً يخلّد ذكر أمّتنا كما خلّدها على مدى الأجيال…

– “شعراء العراق”: طبعاً… كان لشعراء العراق أثر كبير في تجربتي الشعرية وما زال… ولا سيّما في السنوات الأخيرة… في أثناء كتابتي لأول قصيدة مطوّلة من شعر التفعيلة وهي “بين العقل والقلب” ..
وقد لفتتني عبقرية الشاعرة العراقية نازك في إرساء قواعد هذا النوع من الشعر.. في كتابها (قضايا الشعر العربي) وتطبيقه في ديوانها (شظايا ورماد)..
كما كان لشعراء التفعيلة من مختلف الأقطار العربية – سواء كانوا من الجيل الأول أو من الجيل الثاني – أثر في توجيهي نحو التفعيلة ولكن دون أن أبتعد عن الشعر العمودي الذي بدأت معه تجربتي الشعرية… من هؤلاء: محمود درويش، سميح القاسم، ، نزار قباني، سليمان العيسى، صلاح عبد الصبور، خليل حاوي، فدوي طوقان ، أمل دنقل..
– “الأسطورة والرموز الغامضة”: لكلّ نوع من أنواع الشعر أهله وكاتبوه ومتذوّقوه، وقبل أن أكون شاعرة، فأنا متذوّقة… ولم يكن للأسطورة حظّ في شعري ولا أُكثِرُ من تذوّق الشعر الغامض :
أولاً لأنني لا أكتب القصيدة من أجل فئة خاصّة مختصّة في اللغة والأدب.. بل كتبتها من أجل أن تبقى بمتناول الجميع.. فيتذوّقها كل من استمع إليها، أو قرأها لعلّها تفعل به شيئاً من التغيير…
وفي هذا يقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي:
إذا الشعر لم يَهززْك عند سماعه= فليس حَرِيًّا أن يُقالَ له شعرُ
وثانياً لأنني أعتبر “الأسطورة” هروباً من المستحيل إلى المستحيل… والشعر – في رأيي – إن لم يفعل شيئاً في أكبر عدد من الجمهور وفي الواقع فهو سيبقى في ذاكرة الشاعر وبعض المختصين .. أو كمن يكتب الشعر من أجل الشعر.. مع العلم أنّ بيتاً من الشعر عند العرب في ما سبق من العصور الماضية كان له تأثير – في الحرب وفي السلم- في الأخلاق وفي المعاملات و… – كما كان أقوى من تأثير السلاح والجيوش والأمم المتحدة ومجلس الأمن اليوم… وما زال هذا مخترقاً عباب البحور إلى كل العصور!
لهذا كان أكثر ما أبتعد عنه في الشعر هو الغموض المبهم… كما أنني لم أحاول أن أكتب شيئاً من هذا النوع (قصيدة النثر)، بل كتبت بعض خواطر لا تمتّ إلى الشعر بِصلة… وأشرت سابقاً إلى أن الشعر شعر، والنثر نثر ولا منطقة متوتّرة لي بينهما… وما كتبته من الشعر هو القصيدة العمودية بدايةً وما زلت… ومؤخّراً قصيدة التفعيلة… متأثرة بالنظام التفعيلي الذي بدأ في العراق وما زال… رغم أني لم أخرج في شعر التفعيلة عن كلّ قواعد الشعر العموديّ… فما زلت محتفظة بالرويّ ولكن متعدّداً، وبتنوّع القوافي… وساويت أحياناً في عدد التفعيلات المتقاربة في المقطع.. حتى إنني أحياناً وأنا أكتب القصيدة أنسى نفسي فأسترسل في كتابة أبيات كاملة وكأنها من الشعر العموديّ… ثم أعود إليها أزيد تفعيلة هنا أو تفعيلة هناك لأعيدها إلى سرب التفعيلة… هي تداعيات الخلق الشعري والوعي معاً…
– “إكسير كتابتي الشعرية”: نعم… هو الألم والحزن وما يُلْحق بهما كالخوف والظلم والقهر… وقد سبق أن أشرت إلى ذلك حيث قلت: “من الألم ينبعث الأمل، ومن بستان المشاعر المشبعة بالحزن والأسى تخرج ورود الشِّعر من أكمامها”…
“فالشعر لا ينبع إلا من جراح القلب، ولا يولد إلا من رحم الأحزان، ولا تتفتّح أزهاره إلا بعد عواصف هائلة من الألم والوجع… ”
– “القصيدة بين الشعر والنثر”: جاء في معاجم اللغة: والشِّعْرُ: منظوم القول، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية، وقال الأَزهري: الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أَشعارٌ، …
وليس بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي فارق كبير.. إلا أن هذا المصطلح “الشعر” يختلف اختلافاً تامًّا عن مصطلح “النثر” من عدة وجوه …
أما أن تجتمع في هذا المصطلح كلمة “قصيدة ” وكلمة “النثر” فهو من باب التعويض عن مركّب النقص، وهذا لا يمكن أن يجعل النثر شعرًا.. فـ”قصيدة النثر” مصطلح مستحدث يُطلق على “نصّ من النثر الفنّي” الذي لا تتوافر فيه علامات “القريض” أو “القصيد” أو “الشعر”… وهذا لا ينقص من قيمة النص النثريّ، كما أن إطلاق مصطلح “قصيدة” على النص النثري لا يزيده شرفًا أو رفعة.. وفي المقابل فإن مصطلح “النظم” وحده بما يعنيه من إيقاع ووزن وقافية ورويّ لا يعني أن النص هو من الشعر.. وقد صنّف المختصون مراتب الشعر.. كما صنّفوا مراتب النثر، فكم من نصّ أدبيّ نثري فاق قصائد منظومة، وكم من من قصيدة منظومة لم تتعدَّ كونها تقطيعًا وأوزانًا..
فلنبْقِ الشعر شعرًا والنثر نثراً.. وكل منهما قد يفوق الآخر بجودة التزامه بقواعده من حيث المعنى واللفظ والأسلوب والعلامات التي تميزه من الآخر!

– “هل الوزن قيد”: لا، أبداً، فالسباح الماهر لا يضيره في أي بحر يسبح، فهو يختار البحر الذي يناسب أفكاره وشعوره… (فالأوزان كثيرة تامة ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة وتفعيلة..). بل إن الشعر نفسه يختار أين ينزل من قلب الشاعر ومن فكره، أما مَن يقيّده الوزن فذاك الذي يقف على الشاطئ وينظر إلى العمق ويتمنّى لو يسبح بمهارة ولكن لا حول له ولا قوة.. حتى يأتي من يأخذ بيده ليصقل له موهبته وينمّي له رغبته.. أو يبقى “سابحاً في مياه الشاطئ”، وإن كانت سباحته جميلة وسهلة إلا أنها لا تسمّى “سباحة في البحر”!
ومن يُجبر على اختيار كلمات دون أخرى فهو الناظم.. وقد لا يجد صعوبة في ذلك لما يتوافر في مفردات العربية من لين وطواعية ومترادفات وبدائل تجعله يختار ما يشاء وبسهولة.. أما الشاعر الشاعر فهو من تختاره الكلمات والمعاني وتكتبه فيكتبها…

– “التجارب الشعرية بالمغرب العربي”: لكل شجرة ظلّها ولكلّ عين حلاها.. ولكل شِعر جماله، وإن تشابهت البيئات الشعرية وتقاطعت الهموم الإنسانية فقد تختلف في البصمات التي تدلّ عليها وتميّزها من غيرها…
ولكن ليس كل اختلاف يعني أن المختلفات دون الأخرى والمسألة نسبية تعود إلى المتذوّق…
نعم… لي اطلاع على تجارب بعضهم منهم : أبو القاسم الشابي، ومن ثمّ راشد السنوسي، عبد المجيد بن جلون، وحمد كمال السخيري، ورامز النويصري ومحمد بنيس…
وتجارب هؤلاء لا تقل قيمة في خصائصها وتأثيرها عن أخواتها في المشرق العربي، وإن كانت أسبق منها إلى التحديث في بعض الاتجاهات الشعرية.. فكل شاعر، مغربياً كان أو مشرقياً، كانت له بيئة طبعته بطابعها.. والشعر الرائع هو شعر سواء كان قائله مغربياً أو مشرقياً …

– “الشعر بخير في العالم العربي”: نعم .. دائماً أنا متفائلة.. الشعر ما زال بخير في العالم العربيّ، ما دام في الدم العربي شعور بالانتماء ورغبة في الإبقاء على الهوية… وإن توزّعته الرياح من كل الجهات.. أفلم تتجاذب الشعر العربيّ من قبل رياح الحضارات المتلاقية والمتصارعة والمتقاطعة؟! … كُتب الكثير.. ونُشر الكثير في ذاكرة التراث وبقي القليل في ذاكرة الأدب والمتأدّبين.. (فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)…
ولا ضير من هبوب رياح الحداثة والعالمية على أزهار الأشجار العربية .. فقد تتلاقح وتتأثّر ولكنها تحافظ على الجينات العربية، فتعود لتؤثّر هي من جديد في غيرها كما أثّرت سابقاً الثقافة الإسلامية والعربية في غيرها من الثقافات والآداب الأخرى…
المهم أن نثق بقوّتنا وبتراثنا، وأن نأخذ من التراث ما يُشعرنا بانتمائنا وبأصالتنا، وأن نأخذ من الحداثة ومن المعاصرة ما يُسهم في الارتقاء والتقدّم، لا في تغيير الأصول الجذرية وتهجينها إلى حدّ ضياع الإنسان وشكله ومضمونه وأدبه في مهبّ الرياح!
وأمّا مَن غرق في وحول العولمة والحداثة ملغياً هويّته وأدبه وشخصيته، فذاك سيكون كالظليم الذي ذهب يطلب قرنين فعاد مجدوع الأذنين…

– “مفهومي للالتزام”: الأدب والشعر مسؤولية والتزام قبل كل شيء… والالتزام؛ هو مشاركة الشاعر أو الأديب قضايا أمّته و وطنه وهموم الناس الاجتماعية، ومواقفهم الوطنية والإنسانيّة … وإذا كنّا نخشى ارتباط الشعر بالاتجاهات الإيديولوجية من أجل تجنيب الشعر ضرر ما، فنحن عندئذ نكون قد كتبنا الشعر من أجل الشعر وليس من أجل الإنسان أو الأمة وهمومها وقضاياها… وما فائدة الشعر عندئذٍ ؟!
ولكن هذا لا يسوّغ لنا أن نقف في شعرنا مع الباطل من أجل إيديولوجيات ضيّقة ما فاقدة لروح الفكر والقيم، متصارعة فيما بينها … بل لا بدّ من التعمّق في الرؤيا الشعرية ليكون الالتزام بقضايا الإنسان أولاً والأمة ثانياً والوطن والمجتمع ثالثاً.. ولا خوف على الشعر بعد ذلك من عولمة أو حداثة أو تفتيت إيديولوجيّ أو غيره … بل الشعر الحق هو الذي يستفيد من تلك العولمة وهذه الحداثة بشكل يؤثر إيجاباً في قضايا الإنسان والوطن والمجتمع… وممَّ الخوف على الشعر بعد ذلك؟!

– “لا إبداع خارج الهوية”: إنّ من يغرّد خارج سربه ستجتمع عليه الغربان والعقبان وتطرده لأنها لن تعتبره منها، مهما كان مبدعاً…
وهل يحيا جمال السمك مهما كان بديعاً خارج موطنه (الماء)؟!
فمن لم يكن مبدعاً في هويته وكان مبدعاً في هُوية غيره .. فهو ليس مبدعاً خارج “الهوية” مطلقاً.. بل هو مبدع في هويّة غيره.. ولكن.. هذا الإبداع خارج الهوية الحقيقية للإنسان لن يحيا طويلاً ولا يستمرّ خارج هويّته الأصلية…
كان جبران مبدعاً عالمياً ولكنه لم يحيا إلا في هويّته … وهو حتى إشعار آخر أديب لبنانيّ، رغم أنه تأثر وأثر في كتابات الآخرين ممن ليسوا من أبناء جلدته…
فهل يستمرّ إبداع خارج هويّة؟!
نعم…. لا إبداع خارج الهويّة.
صحيح أن المبدع قد يتأثر بالآخرين ويؤثّر في إبداعاتهم .. ولكن ذلك لا يصبّ إلا في مصلحة إبداعه وهويّته إن عرف الوجهة التي يوجهها وإلا ذاب في مياه غيره، ويكون مثل الظليم الذي ذهب يطلب قرنين فعاد مجدوع الأذنين…

– “علاقة الإبداع بالهوية”: العلاقة بين الهوية والإبداع شعراً كان أو نثراً هي علاقة جدلية تشاركية، فالإبداع هو عنصر من عناصر الهوية الثقافية ودالٌّ عليها، باعتبار ما يكتب الشاعر من إبداع هو سمة جوهرية عامة من سمات هويّته.
وفي المقابل، فإن ما يميز الإبداع شعراً أو نثراً، هو الهوية التي يظهرها النص الإبداعيّ.. سواءً كان ملتزماً قضايا عامة إنسانية أو قضايا الأمة والوطن والمجتمع…
وما كان من إبداع خارج الهوية فهو سيصبّ في مصلحة الآخرين وليس في مصلحة الهوية الحقيقية التي يسعى الآخرون إلى طمسها بمنطق البقاء للأقوى تأثيراً…

– “الثابت والهامشي بين المعاصرة وحرية الإبداع”: ليست المعاصرة في تدمير الثوابت وليست حرية الإبداع في تمجيد الهامشيّ، ولا يقول هذا إلا مبتدئ منبهر بثقافة الآخرين، مُنكِرٌ للثقافة العربية الغنيّة التي قامت عليها دعائم الثقافة الغربية واستفادت منها، دون أن تذوب هذه فيها ودون أن تتخلى عن ثوابتها وتراثها… فلو نظرنا منذ بداية انفتاح العرب على الثقافة الغربية في العصر الحديث على مستوى الإبداع شعراً ونثراً، لرأينا أن أدباءنا الحداثيين قد تحاشوا الخوض في الثقافة العربية الإسلامية، ليس جهلاً بها، بل اقتناعاً منهم بالجمود الذي آلت إليه هذه الثقافة على أيدي مجموعة من أنصاف المتعلّمين وأنصاف المتأدّبين أو مدّعي العلم أو حفظة الدروس الببغائيين، فبدلاً من أن يُعْمِلَ المثقف العربي تفكيره في ما يفيد ويزيد في مستوى ثقافته راح في أحد اتجاهين: إما أن يتجه إلى تدمير الثوابت العربية ليبني بها ثقافة الآخرين، وإما أن تكفيه عبارة “قال فلان” فيتوقّف عن التفكير ويستسلم للجمود…

– “مفهومي للحب”: الحبّ هو أسمى عاطفة زرعها الله في قلوب البشر.. إلا أن بعض البشر انحرف به عن المعنى السامي إلى معانٍ أخرى… وقد برزت قيمة الحبّ في كل الأديان السماوية.
والحب ليس مقتصراً على حبّ المرأة للرجل، أو حبّ الرجل للمرأة، بل هناك أنواع أخرى من الحب منها: حبّ الله وهو أرقى أنواع الحبّ، والحبّ في الله وهو أشرفها (حب الإنسان لأخيه الإنسان)، وحبّ الأم لطفلها وهو أصدقها، وحبّ الصديق لصديقه وهو أندرها، والحبّ الأفلاطونيّ…
وهناك أيضًا : حبّ الطبيعة، وحب الجمال، وحب الوحدة، وحب الوطن، وحبّ الدنيا، وحبّ المال، وحبّ الحياة، وحبّ السلطة، وحب الشهوات، وحبّ الذات، و…و…و…
– “الارتجال في الشعر”: الارتجال يميّز قدرة الشاعر الموهوب من غيره، وإن دلّ على شيء فإنما يدلّ على سرعة البديهة، وتأثّر الشاعر وصدقه وانفعاله الشديد، إذ إنّ الشعر الارتجاليّ هو وليد الشعور والعاطفة الباطنة والتأثّر الشديد ومجموعة الأحاسيس المختمرة من حبّ وألم وحزن و…
وقد أشرتُ سابقاً إلى أني أرتجل الشعر في حالة لا أفهمها، ولا سيّما في حالة التأثر الشديد والانفعال والألم والحزن والإحساس بالقهر أو بالظلم… إذ “غالباً ما أستيقظ من نومي فأجدُني أردّد أبياتاً قد تصل الى حدّ القصائد”، فـ “كثيراً ما تؤرّقني وتقلقني أمور وشجون قبل نومي، وقد تصحبني أثناء نومي، فأستيقظ في هدْأة الليل، بعد مُنتصفه، وعلى لساني أبيات أو مقاطع أو قصائد لا أدري هل نظمتها في الحلم أم أتى بها الارتجال فور استقباله اليقظة…!؟”
أما الشعر الذي أرتجله بناء على طلب من أحدهم فأجد أن الصنعة غالبة عليه، وأشعر بي حينئذٍ وكأنني أمثّل دور الشاعرة ولستُ الشاعرة نفسها!

– “الوضع السياسي العربي”: أمّا عن الوضع السياسي العربي … فمخاض عسير والمولود الآتي لقيط مشوّه… وقد تنطبق على الشعب العربي الآن ومنذ اغتصاب أرض فلسطين، مقولة “أُكِلْتُ يوم أكل الثور الأبيض”… بل استيقظ الثور الأسود ولم يستيقظ العرب… وقع العرب في الفتنة والتفرقة والانقسام والقبلية والعنصرية، وعادوا في عصر العلم الى ما كانوا عليه في الجاهلية الأولى بل أشدّ جاهلية…
– “ثورات الربيع العربي”: وأيّ ربيع هذا ؟ ربيع الفتن تسقيه الدماء فلا ينبت إلا موتاً ولا يزهر إلا تشرّداً وذلاًّ وعبوديةً وجهلاً وفقراً وضياعاً… وما الحرية الموعودة إلا فوضى منظّمة… وما الأحلام إلا أوهام… أيّ عدل هذا الذي لا يصحح الخطأ إلا بالخطأ؟! وأي كرامة هذه التي تباع للغريب والقريب ولا تشترى؟! وأي مساعدة تلك التي لا تأتي ولا تهطل عليّ إلا عندما أريد أن أقتل أخي؟! وأيّ حبّ هذا الذي يزرع في قلبي الكراهية لبني الإنسان؟! وأيّ ربيع هذا الذي لا ينبت إلا الفتن المستمرة والقتل المستدام؟! ومتى كان الربيع يأتي ليقتلع أشجار الشتاء القارس من جذورها؟ أما كان دوره يقتصر على الإزهار والاخضرار فتعود السعادة إلى تلك الاشجار؟!
من خلال هذا الربيع أرى أننا كنّا خير أمة أخرجت للناس فصرنا خير لقمة يتقاتل عليها الناس! جاءت الأديان لتوحّدنا وتهدينا سواء السبيل، فاتخذنا من الأديان سبيلاً لنضلّ سواء السبيل فيقتّل بعضنا بعضًا… جاء الكتاب بالعلم بابًا للجنة ولحياة سعيدة في الدنيا والآخرة … فجئنا بالنار والدمار من أجل “مزبلة” هنا يتزعمها ديك من هنا و”مزبلة” هناك يتزعمها ديك من هناك…
إنّما للحرّية حدود …
ولا حقٌّ ولا عدلٌ بلا قوّةْ
ولا أمنٌ بلا قسوةْ …

– “آمالي وطموحاتي”: أطمح إلى أن يكون قصيدي مؤثّراً في الجمهور العربيّ، ومربّياً لطلاّبي وموجّهاً، وقائداً لأجيالنا نحو السموّ والصلاح، ومغيّراً من حالة الشرذمة التي تعيشها أمّتنا وأوطاننا،…
أما بالنسبة إلى طموحاتي الأخرى فقد أنعم الله عليّ – والحمد له وحده- بأكثر مما كنتُ أطمح إليه، وهذا ما ألّب عليّ بعض الأصدقاء والأحبّة الذين لم يستطيعوا صبراً عن محاولة الأذى بشتّى أشكاله… فكانت إحدى قصائدي بعنوان “أقاويل وافتراء” ردّاً عليهم، منها هذا المقطع:
أقاويلٌ تنامتْ وافتراءُ
فضاق بها على الرحْبِ الفضاءُ
فبئس القولُ لا يرعاه دينٌ
وبئسَ الفعْلُ إن قلّ الحياءُ
وإن ضلّت عن التقوى عقولٌ،
وباتَ الناسُ دينُهمُ الرياءُ،
ودارَ على الرفاقِ لسانُ خبثٍ،
أيُعْمي أعينَ الخلقِ الغباءُ؟
وقد أعْمَتْ بصائرَهم معانٍ
وأشعارٌ لهم منها عناءُ
وليس الهمّ ما قد قيلَ فينا
وقد قاسَته قبلُ الأنبياءُ
بلِ الهمّ الذي نصبو إليه
هو الإحسانُ مهما قدْ أساءوا
وليس لنا مداناة الدنايا
فنحنُ عن الدنايا أغنياءُ
تراهم يمكرون اليوم مكرًا
فيَمْكرُ مَنْ بأيديه السماءُ
أَنَهْوي للحضيضِ ومبتغانا
رفيعٌ ما لرفعتِه انتهاءُ؟

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here