أشاد عبد المجيد تبون، الرئيس الجزائري، بتعامل الاتحاد الإفريقي مع ملف نزاع الصحراء المغربية، معتبراً بأن هذا المشكل حصري للأمم المتحدة، ومؤكداً بأن بلاده تأمل في أن يتوصل المغرب والبوليساريو إلى حلّ يرضي كليهما، مخالفاً بذلك الموقف الذي لطالما رددته الجارة الشرقية للمملكة، بشأن ضرورة إجراء استفتاء تقرير المصير.
وقال تبون، في إجابته على سؤال الإعلامية سميرة بلعمري رئيسة تحرير جريدة الشروق، بشأن رأيه في “تبني الاتحاد الإفريقي لتوصيات الجزائر”، حيث قال إن الأخير أبدى نوعا من النزاهة في الطرح، قائلا إننا قلنا إن هناك مشكلاً، يجب على مجلس أمن الاتحاد دراسته وإبلاغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا ما وقع”، متابعاً: لنترك الأمم المتحدة تفصل في الموضوع”.
واستغرب سعيد بوستة مدير تحرير جريدة “L’Expression”، الذي كان يحاوره برفقة بلعمري، مذكراً إياه بخطاب الجزائر السابق، الذي كان شديداً وهاجمت خلاله الاتحاد الإفريقي بسبب تعامله مع ملف الصحراء المغربية، إلى جانب مطالبته الأخير بلعب دور أكبر في النزاع، غير أن تبون، جدّد التأكيد على أنه يصف الواقع، والأمم المتحدة هي المعنية بالأمر.
وبالرغم من أن تبون، كرّر عددا من العبارات المعروفة في الموقف الجزائري، من قبيل أن المشكل لا يحل بالتناسي أو التقادم، وأن النزاع هو مسألة “تصفية استعمار” وموجود في هذا الباب بالأمم المتحدة، إلا أن ما جاء بعده بشأن أنه يقول هدا بدون أي ضغينة أو حقد، وأن “المغاربة أشقاء والصحراويون أشقاء، ونتمنى أن يجدوا حلا يرضيهما كليهما، بدون أن يفرض أي منهما رأيه على الآخر”.
وحاول بوستة دفع تبون للتثبت مما يقوله، عبر طلب مزيد من التوضيح، وردّ عليه الرئيس الجزائري، بأن “الأمور الدولية ليست مثل مباريات كرة القدم أو الملاكمة يكون فيها غالب وآخر مغلوب”، مشددا على أن على المستوى الدولي “لا وجود هذا غالب وذاك مغلوب، لأن هناك القانون الدولي، وهذا الملف تناقشه الأمم المتحدة”، حسبه.
وفي هذا السياق، قال محمد المرابطي، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بكلية الحقوق بفاس، إن “المواقف التي عبر عنها الرئيس الجزائري في مقابلته التلفزية مؤخرا ليست جديدة، فهي لا تختلف عن ما كان يصرح به المسؤولون الجزائريون في العقود الأخيرة ولو اختلفت الصيغة والتعبير، وهنا نستحضر رسالة الرئيس الجزائري إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 20 فبراير 2006، أشار فيها إلى أن الأمر يتعلق بنزاع بين المغرب و(الشعب الصحراوي)”.
وأضاف المرابطي في تصريح لجريدة “بناصا”، أن الجزائر، “كانت ولا تزال تحاول أن توهم المنتظم الدولي أنها ليست طرفا في النزاع حول الصحراء، وما فتئت تصرح أن النزاع يهم المغرب والبوليساريو، لكن المعطيات الواقعية تفيد أنها طرف حقيقي في هذا النزاع تتحمل المسؤولية في خلقه واستمراره وأصبح لزاما عليها الانخراط في حله”.
وأوضح أنه لا يتوقع أن “يحدث أي تقدم في ملف النزاع إن لم يقر المنتظم الدولي بدور الجزائر واعتبارها طرفا في النزاع. حيث إن مخيمات المحتجزين الصحراويين توجد فوق أراضيها بتندوف وهي التي تتحكم في حركات وسكنات قيادة البوليساريو”، مردفاً: “خاصة وأن المغرب أبدى حسن نيته وانخرط في السنوات الأخيرة في محادثات غير رسمية مع البوليساريو في عدة جولات ولم تفلح، لأن الجبهة لا تملك القرار دون الرجوع إلى المسؤولين الجزائريين”.
وشدّد المرابطي على أن هناك العديد من الوقائع التي تبرهن على أن الجزائر ليست محايدةً في الملفّ، “على رأسها اقتراحها تقسيم الأرض في الصحراء لينكشف زيف ادعائها بالرغبة في تحقيق حلم الحصول على منفذ لها على المحيط الأطلسي”، متابعاً: “في تقديري لا توحي تصريحات عبد المجيد تبون بأي تغيير في الموقف المعروف للجزائر، إذ لا زال يكرر الأسطوانة المشروخة بأن القضية هي قضية تصفية استعمار”.
ونبه الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية، أن تشديد تبون على أن “الأمم المتحدة هي التي يمكن لها حصريا معالجة ملف الصحراء، يعزى تفسيره إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها قضية وحدتنا الترابية باعتراف الرئيس الأمريكي السابق بمغربية الصحراء، والإقبال المكثف على فتح القنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة من طرف العديد من الدول”.
إلى جانب، يواصل المتحدث، “شمول نطاق اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي للأقاليم الجنوبية للمملكة، وإعلان المغرب عن إنجاز ميناء دولي بالداخلة يفتح الآفاق لاحتضان الصحراء المغربية لعدد من المشاريع الاستثمارية الدولية”، موضحاً: “كل هذه التطورات الميدانية جعلت الجزائر تخشى من تجاوز دور الأمم المتحدة الذي يراوح مكانه منذ عقود”.
وسجّل المرابطي، ما اعتبره “مفارقة صارخة في تصريح الرئيس الجزائري، حيث أكد على مسؤولية الأمم المتحدة الحصرية لمعالجة ملف الصحراء، وفي نفس الوقت سعت الدولة الجزائرية إلى إقحام الاتحاد الإفريقي في الموضوع بمناسبة انعقاد دورته 34 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مطلع شهر فبراير الماضي، المحاولة التي باءت بالفشل لأن الدول الإفريقية تدرك استغلال المنظمة في أجندات لا علاقة لها بمصلحة القارة”، متابعاً: “وعلى غرار القمم الثلاث الأخيرة للاتحاد، لم تذكر قضية الصحراء في تقارير القمة أو قراراتها، ما يؤكد التوجه الجديد للاتحاد الإفريقي الذي يعتبر قضية الصحراء من صلاحيات الأمم المتحدة”.
ومن جانبه اعتبر وليد كبير، الإعلامي الجزائري المهتم بالعلاقات المغربية الجزائرية، أن ما قاله عبد المجيد تبون بخصوص ملف الصحراء المغربية “ليس بالجديد فهو يكرر دوماً نفس الأسطوانة المشروخة التي لا تعطي أي أمل لمستقبل العلاقات بين الجزائر والمغرب !”، متابعاً أنه لا يرى ما جاء على لسان رئيس الجمهورية “غير معتاد”.
وأبرز كبير في تصريح لجريدة “بناصا”: “بخصوص قوله إن الاتحاد الإفريقي مع توصيات الجزائر كان نزيهاً، فمرده لصدور بيان تضمن تلك التوصيات بعد اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي غاب عنه المغرب لكن ذلك البيان جاء متأخراً بتسعة أيام وهنا يجب لفت الانتباه أن سير مؤسسات الاتحاد الإفريقي متأثر بشكل مباشر بملف الصحراء المغربية”.
وأردف المتحدث أن “تبون كان يقول دائما إن ملف الصحراء المغربية بيد الأمم المتحدة وأن هذا الملف في نظر نظام الحكم في الجزائر هو ملف تصفية استعمار، وأن الجزائر ليست طرفاً فيه وهذه لغة خشبية تعودنا على سماعها وليست مترجمة على أرض الواقع، فالجزائر تحتضن جبهة البوليساريو منذ عقود وهذه الأخيرة تهاجم الجدار الدفاعي المغربي انطلاقا من الأراضي الجزائرية!”.
وبشأن قول تبون، إنه “مع حل يرضي المغاربة والصحراويين”، أوضح كبير، أن هذا مجرد “مراوغة لا غير، لأن الطرف الحقيقي في الملف هي الجزائر وكلامه يؤكد أن نظام الحكم في الجزائر يتعامل بازدواجية في تدبير هذه الأزمة فهو يسخر دبلوماسيته وإعلامه على مدار الساعة خدمةً لإبقاء العداء مع المغرب في حين يتظاهر في تصريحات مسؤوليه أن لا دخل للجزائر في الموضوع فهل يعقل هذا؟”، حسبه.
جدير بالذكر أن ملفّ النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، عرف في الشهور الأخيرة مجموعة من التطورات التي تسببت في عزلة غير مسبوقة للجزائر والبوليساريو، بدايةً بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ومروراً بافتتاح عدد من القنصليات بها، ووصولاً إلى تدشين الحزب الحاكم في فرنسا، لفرع له في مدينة الداخلة.
___________________
المصدر : https://banassa.com/