نحاول في هذا المقال المختصر بحول الله تعالى وقوّته أن نربط علم أصول الفقه بعلم البلاغة العربية مجيبين على سؤال جوهري عظيم وهو : لماذا جاءت الاستعاذة في قراءة القرآن العظيم قبل البسملة ؟ ، لماذا هذا الترتيب بالضبط : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ؟
يقولون في القواعد الأصولية : { درء المفاسد أولى من جلب المصالح } .
هذه القاعدة الأصولية انبنت على قاعدة أصلية في قراءة القرآن العظيم، فمعلوم أن الاستعاذة تأتي أوّلا قبل البسملة كما هو معروف في عُرف القراءة، ومن هذا الترتيب العجيب في تقديم الاستعاذة على البسملة استخرج العلماء ما يؤكد القاعدة الأصولية : { درء المفاسد أولى من جلب المصالح }، وذلك من خلال التحليل البياني التالي :
هذا التقديم هو تقديم بلاغي صِرْف قائم على فلسفة الرتبة في الكلام العربي، فلم تُقدّم الاستعاذة إلا بحكمة بالغة تمتح من مقاصد الشرع العظيم، ولم تؤخر البسملة بعدها إلا بسبب وجيه موافق تماما لقاعدة الأصول.
الاستعاذة هي طلب العبد من الله تعالى دفع ضر الشيطان ووسوسته وكيده، وهذا يقابله درء المفاسد ودفعها، والبسملة من خلال توجيه العلامة عبد الصمد كنون في كتابه ” الجراب ” فيها طلب ضمني على اعتبار أنها جملة إنشائية في صورة الخبر، فأنت تطلب من الله تعالى مصلحة ضمنية وهي جلب النفع والرحمة والبركة في كل أمورك، ولأن القاعدة الأصولية قائمة على أن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، قُدِّمت الاستعاذة الدالة عليها على البسملة الدالة على جلب المصلحة، وهذه الفائدة استقيتها من كتاب الشيخ العلامة أحمد بن عبد العزيز السجلماسي الهلالي ” 1175ه ” في كتابه درر من البسملة.
?تمَّ والله أعلم وأعظم وأعلى وأحكم جلّ في علاه ?