لاَشعر ولاَ أَدبَ بَعيداً عن هموم الإنســـان.
تازة تصرخ بأعلى صوتها أنها مدينة الإبــاء والكرامة والسِّلم والسلاَّم.. تشجب كل فكر متطرف مناهض للتعايش والتسامح.. من خلال تنظيمها للمنتدى الدولي الأول لمنُاهضة الفكر التطرفي برعاية “شبكة تازة التنموية” تحت شعار: “الشِّعر والأدب كمدخل للتنوير ومُناهضة التطرف”، المنتدى الذي عرف مشاركة وازنة للوفد المصري وممثلة لبنان الأستاذة “أولغا فرحات” النَّاشطة التربوية، والعديد من الأساتذة والباحثين من تـــازة وجرسيف ومدن أخرى مجاورة.. وحضور طلبة مهتمين بهذا الحقل وهذا الموضوع الرَّاهنــي ..
ومن ضمن أولويات هذا المنتدى الذي انعقد بتازة أيـــام 13-14-15 أبريل 2017 السعي إلى غرس قيم التسامح ونبذ كل أشكال العنف وجعل تازة من بين المدن التي تصادق على بيان عربي أروبي بشراكة مع مكتبة الإسكندرية بمصر مُستقبلا..
لقد كان برنامج المنتدى الأول ثَرِيا بالعديد من الفقرات.. إذْ شهدت قاعة الاجتماعات بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بتازة انعقاد جلستين فكريتين صبيحة يوم الخميس 13 أبريل 2017.. أعطت انطلاقة المنتدى الأستاذة “حفيظة اعبيزة”، مديرة المنتدى بكلمة ترحيبية بالحضور الكرام وبالتعريف بأهداف المنتدى وبإلقاء قصيدة “نداء تازة”، القصيدة التي تناوش زمن القبح والبشاعة وتنتصر لإنسانية الإنسان وتدعو إلى سيادة الفكر الحر غير المتطرف.. فشجبت الأعمال الإرهابية الأخيرة التي طالت الكنيسة المصرية.. ونددت بكل جرم ضد الإنسان والإنسانية في أي زمكان.. هو نداء تازة بصوت أبنائها وبناتها البررة.. صوت الإيمان بالحرية التي لا تقبل بالتجزيء ولا بالمساومة في مفهومها الكوني الذي يتكلم بلغة الإنسان الذي يتوق لعالم تسوده قيم الإخاء والتعاون ..
تلتها آيات بينات من الذكر الحكيم بصوت المقرئ الكريم “محمد شهبون”، ثم كانت كلمة رئيس شبكة تازة “لكبير الحراق”، كلمة تختزل في أبعادها الأمل وتعلن عن جعل الشعر والأدب في خدمة القضايا المجتمعية، هي أيضا وقفة مساءلة لجدوى الثقافة والمثقف في العالم العربي من خلال التأكيد على ضرورة انخراط المثقف في قضايا المجتمع سعياً للخروج من كهوف وأنفاق التطرف والظَّلام، وبعدها كانت كلمة “رئيس قطاع المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية”، السيد ” خالد عَزَب” الذي وقف كثيرا عند أسباب شراكة مكتبة الإسكندرية بمصر مع شبكة تازة التنموية، إذ أشاد بالفضل الكبير للمؤرخ المغربي الرَّاحل مؤرخ المملكة المغربية الأستاذ “عبد الهادي التَّازي”.. إذ قال: “مدينون نحن -المصريين- لهذا العالم الجليل ومدينته، إذ نعتبره قد اضطلع بدور كبير في أرشفة وتجميع الذاكرة العربية ولاسيما من خلال تأريخه لرحلة “ابن بطوطة”، كما اعتبر أن الفكر التَّطرفي من أسباب تدمير وتخريب التراث والذاكرة التاريخية والعمق التاريخي لبعض الدول العربية: (ليبيا، العراق ومصر.. إلخ)،كما شجب بعض صنوف التَّفكير الماضوي وألح على ضرورة مُساءلة النصوص الإبداعية الأدبية، ليؤكد على أن بعض شيوخ الأزهر لطالما اعتورت نصوصهم النظرة والفكر التَّنويري الذي يشجب ويندد بالأفعال الإرهابية الإجرامية التي تطال المساجد والكنائس والأبرياء من منطلق ديني واهي الإسلام منه براء.. أعقبته كلمة ممثلة المجلس البلدي لتازة نيابة عن رئيس المجلس البلدي الأستاذة “سيكنة واعلي”، التي أشادت ونوهت بجهود شبكة تازة لتكون هاته المدينة نواة لمحاربة كل فكر متطرف، إذْ اعتبرت التطرف بشتى صنوفه وألوانه وأشكاله تراكمات لتربية معينة وربطت بين سلوك الإنسان والجنوح نحو التطرف من منطلق كون هذا الأخير ووفقاً لنزعته نحو إثبات الذات يحاول أن ينأى عن السلوك السَّائد ليثبت انوجاده وذاته وشخصيته، لاسيما إن غابت مجموعة من الشروط الصحيحة لإثبات ذاته بشكل عادي داخل المجموعة التي يتواجد بها أو المحيط الذي يستمد منه تفكيره والذي يعتبرا أساسا محوريا في نشأته وفي بناء سلوكه الشخصي وسلوكياته بشكل عام، لِيُعلن بعد ذلك عن انطلاق الجلسة الأولى التي كان محورها الرَّئيس “تأثير التطرف على الحياة العامة، مقاربات مُختلفة”، والتي تدخَّل فيها كل من الأستاذ معتز إبراهيم توفيق هلال (وكيل نيابة، الإسكندرية)، إذ باشر الحديث عن مفهوم التطرف وتأثيره على الوظيفة العامــة.
في حين تناولت الناشطة التربوية اللبنانية “أولغا فرحــات” محور: “التربية ودورها في تعزيز ثقافـة السَّلام”، مستعرضة بعض التجارب المتاحة من واقع المجتمع اللبناني.. وأكدت على ضرورة النهوض بقطاع التربية والتعليم على اعتبار النهضة المجتمعية تنطلق من إعادة هيكلة وتجديد المنظومة التعليمية في البلدان العربية.. ومن ثمة نَصَّصت على أن المشروع المجتمعي الناجح أُسُّه تعليم متوازن وممنهج، تكون فيه التربية على القيم أولى الأولويات الاجتماعية.. ليطرق الأستاذ عبد الوهاب مطِّيش “نقيب هيئة المحامين بتازة “موضوع” تصدي المشَرِّع المغربي لجريمة الإرهاب من خلال القانون الجنائي، حيث تناول بالأساس الجانب الزجري عند وقوع جرائم الإرهاب وكيف يتدخل القانون في مثل هاته الحالات راصداً المسطرة المتبعة في التنصت على المكالمات الهاتفية وكيف يتم مراقبة وتتبع بعض المشتبه فيهم، وأن مسطرة التفتيش المتبعة آنئذ تُخرق لأن الأمر يتعلق بالمساس بالأمن العام، كما ألمع إلى أن المحكمة الوحيدة وصاحبة الاختصاص في قضايا الإرهاب والجرم الإرهابي تنحصر في محكمة الاستئناف بالرباط.. وندد بدوره بالفكر المتطرف الذي يجنح نحو الأعمال الإرهابية التي تأتي على الممتلكات العامة وعلى الأرواح البشرية.. وضم صوته إلى أصوات المتدخلين السابقين لشجب ورفض كل عمل وكل فكر متطرف ينحو نحو العنف وسيادة لغة الدم ..
وقد كانت المداخلة الثالثة بعنوان: “القلقُ الْهُوِّيَّـــاتي وسُؤال انتقال المجتمعات اليوم” للفائز بجائز الفكر لجائزة تازة الأدبية الأستاذ والباحث المغربي مهدي الإدريسي ..
وبعدها كان الحضور مع استراحة شرب شاي على شرف المشاركين والحضور.. لتَتَواصَلَ أشغال المنتدى مع الجلسة الثانية التي كان محورها: “الشِّعر والأدب ودورهما في نشر ثقافـة التَّسامح والحوار والمُواطنَـة”.. والتي عرفت تدخل كل من الأستاذ الدكتور “خالد عزب” رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية بمصر، الذي تطرق إلى علاقة الأدب والتراث: (الأدب والفن الإسلامي.. استعادة المكروه للمستقبل).
واستمر النقاش والمداخلات بموضوع قيم للدكتور “خيري محمد عبد الحميد دُومـة” (جامعة القاهرة) محورهُ “الأدبية والتَّطرف”، مشيرا إلى أن التطرف لا لون ولا جذور له ولا يمكن أن نتهم عقيدة أو ديانة ما بالنزوع إلى الفكر التطرفي لكون هذا الأخير يتغدى من مسارب ومصادر عدة.. لعل أبرزها التغرير بالشباب والجهل وانتشار وهم الجهاد باسم الحركة الدَّاعشية، وباسم الإسلام التي تسعى لغرس وتوطين براثينها في عقول الشباب العربي.
واستمرت الجلسة الثانية بمداخلة شاعر السَّلام الإسلامي ابن تازة وأديبها وشاعرها الفذ ومربيها الجليل الأستاذ “جلول دكداك” الذي لم يتوان كما عادته عن محاربة كل فكر تطرفي، فهو شاعر السلام حامل لواء الشعر الإنساني الداعي إلى سيادة قيم النبل والفضيلة والتعايش والتسامح من خلال محور: “هلْ يَنْفَعُ الأَدب في مُنَاهَضَـةِ الْعُنْف والتَّطرفِ؟.. إذ كان طرحه للموضوع قيما من خلال نص سردي “حكاية العربي”، التي تجسد الأزمات التي تنخر عقل العربي.. هو الشاعر القابض على جمر الحرف والكلمة المتوغل في فيافيها النَّاقل من خلال عمق الصور التي يسردها وضع هذه الأمة.. وضع الإنسان العربي المغترب في عمق دياره.. المغترب مع ذاته.. المنسحب مع تيارات الاستلاب.. ويبقى الحرف والقصيدة سلاح الأديب المتمكن، رسالته التي يعبر من خلالها إلينا، فهو صوت المجتمع.. لا شعر ولا أدب بعيدا عن الإنسان وهُمُــومــه..
ومسك ختام الجلسة الثانية من المنتدى، كانت مداخلة الدكتور “محمود عزت” (نائب مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية الخاصة)، تناولت بالتحليل موضوع: “الإبداع وتعزيز المناعة الفكرية والاجتماعية لمُجابهة التَّطرف)، والذي بدوره لم يبخس موضوع المنتدى حقَّه.
ومن جو الجلسات الفكرية التي أردفت بمداخلات قيمة للحضور، عاش ضيوف المنتدى والمهتمين بالشعر والأدب جو الشعر والحرف الراقي من خلال أمسية شعرية باذخة أثثتها أصوات شعرية من تازة ووجدة وجرادة.. (سعاد التوزاني، جلول دكداك، عدادي مداني، مختار السعيدي، رشيدة البورزيكي، حفيظة اعبيزة، سعيدة الرغيوي، عمر الصديقي والطفلة اشرايطي..)، الأمسية التي أقيمت على شرف الفائزين بجائزة تازة الأدبية، والتي كانت مناسبة أيضا للإعلان عن النسخة الثانية من الجائزة بحضور الشريك الرسمي لشبكة تازة التنموية المحتضنة للمنتدى “مكتبة الإسكندريــة/ شركة ماهي للنشر..” وقد رافق الشعراء أستاذ الموسيقى والشاعر الزجال رئيس جمعية “ليالي” الأستاذ مومن عيسى أبـو يوسف، ليمتزج صوت العود الرَّنيم بصوت الحرف الشعري، فكان التزواج الجلل الباذخ الذي حقا نمَّ على كون الفن والشعر والأدب عموما ارتقاء وسمو بالذات والروح ونزوع إلى عالم الصَّفاء، بعيدا عن كل الصور العنيفة التي استشرت فجعلت الأذواق عنيفة أيضا.. إلا تلك التي تنأى بنفسها إلى حيث صور الحب والسلام والتآخي، وتبحث جاهِدةً عن متنفس للجمال والإبداع الراقـــي.. وقد سير الأمسية الأستاذ والشاعر “فيصل اليعقوبي”.
تازة نبض الجمال والفن والسياحة الجبلية ومعبر لتشييد آفاق جمالية نكاية في كل صور الموت والبشاعة والقُبح، السمر لم يقف عند الأمسية الشعرية ولا عند الاحتفاء بالفائزين بجائزة تازة الأدبية في دورتها الأولى.. إنما كان معْبراً لعرض “فيديو” يهتم بالاستغوار والسياحة الجبلية من خلال “الجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية بتازة”.
وانتهت أشغال اليوم الأول من المنتدى بلون الجلسات الفكرية ونكهة الشعر المخاتل لحنايا الروح.. فكان اليوم الثاني (الجمعة 14 أبريل 2017) بنكهة الترويح عن النفس من خلال زيارة استكشافية لمدينة تازة، هذه الزيارة التي أطرها الأستاذ “إبراهيم الصراج”، والتي تخللتها زيارة للمدينة العتيقة ولمقر الجمعية التازية لفن المديح والسماع، حيث تعرف الزوار على كيفية تقطير ماء الزهر والطقوس التي تصاحبه من خلال المشرف على مهرجان تازة لتطير ماء الزهر “الأستاذ حميد السملالي”، وعلى متحف تازة العليا وللعديد من المعالم الأثرية بالمدينة التي ما تزال شاهدة على عبق التاريخ المجيد، العامــرة بأهلها وصروحها التاريخية التي تقاوم الصدأ وقسوة الطبيعة والإسمنت ..
وفي ختام المنتدى، تم توقيع رواية العريس للأديب صلاح الوديع بفندق الأهرام بتازة، وذلك يوم السبت 15 أبريل 2017.