أزمة اللاجئين في أوروبا، أكبر عملية إغاثة في العصر الحديث وأكثرها كلفة – حسن العاصي

0
738

هذه المرة قرر الناس عدم انتظار عطف وشفقة العالم الثري الذي يرسل لهم المواد الإغاثية برفقة الفنانين أو كبار موظفي الأمم المتحدة لالتقاط الصور، وقرروا القدوم بأنفسهم إلى حيث تتوفر لهم الحياة الأفضل والأكثر أمناً لهم ولأولادهم، بعناد وإصرار مهما كلف الأمر من تضحيات.
إنهم لاجئون يفرون من بلدان تشهد حروباً ونزاعات مسلحة تحصد البشر والشجر، فلم يحدث في التاريخ أن اجتمع كل هذا العدد من الناس هرباً من أوطانهم ليقولوا بصوت واحد عبر رسالة يوجهونها إلى قادتهم وإلى قادة العالم وإلى الرأي العام، يقولون فيها: “لقد فشلتم” فقررنا أن نصنع مستقبلنا بأيدينا.
لاجئون من سورية وأفغانستان وهم يشكلون أكبر مجموعتين من اللاجئين في شتى أنحاء الاتحاد الأوروبي والعالم، لاجئون من العراق وإريتريا ومن الصومال ومن دول شمال وغرب إفريقيا، وهناك قادمون من دول لا تتحدث العربية يدعون أنهم لاجئون سوريين أو عراقيين أو يزيديين.
بعد مرور سبعين عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وربع قرن على إغلاق آخر فصول الحرب الباردة، يبدو أن مستقبل القارة الأوروبية على الصعد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية غير واضح المعالم، بل أن ما حصل خلال عام واحد فقط من تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إن لم نقل الملايين إلى أوروبا وإلى بلدان محددة بعينها قادمين من أماكن مختلفة، ولكن العدد الأكبر منهم هم من الفارين من نار الحرب في سورية، نقول أن هذه الموجات البشرية القادمة قد أحدثت نوعاً من الالتباس والغموض حول العديد من القضايا منها علاقات دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها، ومدى الالتزام بالإجماع الأوروبي، وموقف دول أوروبا الشرقية من قضية اللجوء، مروراً بالوضع الاقتصادي والمشكلات التي تعاني منها بعض دول الاتحاد، وصولاً إلى الغموض الذي بات غير واضح لأول مرة فيما يتعلق بالمستقبل السياسي للاتحاد.

وبين مطرقة خلافات دول الاتحاد الأوروبي المتعلقة بقوانين اللجوء والتي وصلت إلى تهديد اتفاقية شينغن للتنقل الحر، وبين سندان لائحة دبلن التي تنظم اللجوء في الاتحاد الأوروبي، تستمر المعاناة الإنسانية لمئات آلاف الفارين من بلدان مزقتها الحروب وأغرقتها في فوضى تحصد أرواح العباد، الذين يسعون للوصول إلى إحدى الدول الأوروبية للعيش والعمل بكرامة وأمان.
لقد بدأت مشكلة اللاجئين تتحول إلى أزمة منذ العام 2013 بعدما تجاوز عدد اللاجئين وطالبي اللجوء وكذلك النازحين داخليّاً إلى خمسين مليون للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، لكن الاتحاد الأوروبي لم يتحرك إلا بعد أن باتت هذه الهجرة تدق أبوابه بعنف من خلال وصول موجات مخيفة من اللاجئين الهاربين من الحروب، وتفاقم الأمر حين نقلت وسائل الإعلام التعامل اللا أخلاقي من قبل السلطات المجرية بحق اللاجئين، وانتشار صورة جثة الطفل السوري ذو الثلاث سنوات ممدداً على شواطئ تركيا، واكتشاف السلطات النمساوية لما أسموه شاحنات الموت أو شاحنات العار، بعد أن تم العثور على عشرات الجثث تعود إلى لاجئين فارين مكومة في تلك الشاحنات وقد قضوا اختناقاً، هذه الأحداث السريعة المتتالية شكلت نقطة تحول حقيقي ومفصلي في الموقف الرسمي والشعبي الأوروبي من قضية اللاجئين، فقد خرجت مظاهرات في النمسا ولاحقاً في مدن فرنسية تطالب بفتح الحدود أمام اللاجئين وإنقاذهم من موت محتمل.

هذا وقد حدد القانون الدولي تعريفاً للاجئين، وتعد اتفاقية عام 1951 وبروتوكولاتها لعام 1967 بالإضافة لنصوص أخرى كاتفاقية منظمة الوحدة الافريقية لحماية اللاجئين عام، هذه الاتفاقيات الدولية هي المراجع القانونية الأساسي في حماية اللاجئين.

أما المهاجرون فوضعهم القانوني يختلف عن وضعية اللاجئين، لأنهم أشخاص غادروا بلدانهم اختيارياً لا قسراً، بهدف إيجاد فرص عمل وتعليم أفضل من أجل تحسين مستواهم المعيشي، ويمكنهم -بعكس اللاجئين- العودة إلى أوطانهم دون مشاكل متى شاؤوا، وبالتالي الدول غير ملزمة بتقديم المساعدة لهم ولا يحق لهم المطالبة بها.
إن أي خلط بين اللاجئين والمهاجرين يمكن أن يؤدي إلى عواقب سيئة على حياة اللاجئين وسلامتهم، وغالباً ما يتم الخلط بين المفهومين لأسباب سياسية بهدف التملص من المسؤولية القانونية تجاه اللاجئين في توفير الحماية لهم ومساندتهم في محنتهم.
وتختلف الطرق والأساليب التي يصل عبرها اللاجئون إلى الدول التي تشكل حلماً لهم وتتنوع باختلاف مكان القدوم وبتنوع الأساليب التي يبتدعها مهربو البشر للحصول على آخر ورقة نقدية في جيوبهم، فمن زوارق الموت إلى شاحنات العار إلى السير على الأقدام أياماً عديدة، إضافة إلى تهريب الناس عبر جوازات سفر مزورة أو تأشيرات دخول عبر المطارات لمن يستطيع أن يدفع هذه الخدمات الباهظة التكاليف والتي لا يمتلكها سوى قلة من اللاجئين.

بعيدا عن هذه الأسباب فإن هناك العامل الاقتصادي الذي يحكم المواقف السياسية لدول الاتحاد الأوروبي، فليس مفاجئا أن الدول التي تحارب اللجوء بضراوة هي دول أوروبا الشرقية التي تتشابه فيما بينها في معدلات الدخل التي تقل كثيراً عن معدل دخل دول أوروبا الغربية، ويكفي أن نجري مقاربة بين دولتين واحدة في أوروبا الشرقية وهي المجر التي يبلغ دخل الفرد فيها 12,5 ألف دولار وبمعدل بطالة يتجاوز 11 في المائة، بينما يبلغ متوسط دخل الفرد في ألمانيا 36,4 ألف دولار وبمعدل بطالة 5,3 في المائة، وهذا ربما يفسر جانباً من غضب حكومات دول أوروبا الشرقية التي تريد أن تكون فرص العمل في الاتحاد لأبنائها الذين يهاجرون إلى الدول الغربية بحثاً عن فرص عمل أفضل بأجور مرتفعة، وأن لا تكون فرص العمل هذه في ألمانيا وفي السويد والدانمرك للقادمين من خارج المنطقة.
إضافة إلى ما تقدم، فإن هناك مقاربة في تحديات التنمية المستدامة للدول الأوروبية بشرقها وغربها التي تواجه تحديات ديموغرافية تتمثل في انخفاض معدلات النمو السكاني فيه، فخلال العشر سنوات الأخيرة انخفض معدل النمو من 0,6 إلى 0,4 بالرغم من دخول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى هذه الدول، يترافق هذا مع ارتفاع في نسبة السكان الذين تجاوزت أعمارهم 65 عاماً من 17,3 في المائة إلى 19,4 في المائة من إجمالي عدد السكان.
وبالتالي فإن الدول الأوروبية التي ترحب باللاجئين تفعل ذلك لاعتبارات إنسانية ولاعتبارات أخرى تضمن استمرارها وتطورها، وهي اعتبارات مشروعة لأنها تحقق المنفعة المتبادلة، ويضخ دماء جديدة في الجسد الذي بدأ يهرم، ويوفر فرص عمل لمئات الآلاف من القادمين الجدد، أما الدول التي تعتمد سياسة متشددة مع اللاجئين وتتشبث بأصولية إثنية أو دينية أو ثقافية وتقفل أبوابها في وجه المهاجرين، فسوف تخاطر في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here