أظن أن الملك محمد السادس يحضّر مفاجأة غير سارة لنظام العسكر الجزائري، وهي حضوره للقمة العربية، والتي كان هذا النظام يسعى من خلالها لعزل المغرب قبل أن ينقلب السحر على الساحر. خلافاً لما يظنه البعض أظن أن الملك قرر منذ مدة الحضور لهذه القمة لوضع النظام الجزائري في وضع حرج.
هناك مؤشر مهم يدفعني للاعتقاد حتى الآن بأن الملك سيحضر القمة. خلافاً لما وقع في القمم السابقة حينما كان المغرب يعلن قبل مدة من انعقادها بأن حضوره لن يكون على مستوى الملك، فهناك صمت مطبق هذه المرة ولن يصدر أي إعلان عن مستوى مشاركة المغرب.
أعتقد أن هذا مؤشر يوحي بأن الملك يلعب على عامل المفاجأة ويسعى من خلال هذا الصمت للانتظار حتى آخر لحظة للإعلان عن مشاركته، وبالتالي إرباك كل حسابات نظام العسكر وجعله في وضع لا يحسد عليه.
كما أعتقد أن إعلان معظم القادة العرب عدم حضور القمة جاء بتنسيق محكم حتى يضعوا نظام العسكر وجهاً لوجه أمام الملك محمد السادس في القمة، ويكون حضوره الحدث الذي يخطف كل الأضواء، وهو ما يسكون بمثابة ضربة معلم كما نقول.
أعتقد أن حضور وزير الخارجية ناصر بوريطة للاجتماعات التحضيرية للقمة وطرحه للسياسة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة العربية، بما في ذلك تزويد البوليساريو بطائرات مسيرة، ما هو إلا حركات تسخينية للوفد المغربي تحضيراً لحضور جلالة الملك.
من يعرف شخصية جلالة الملك وحرصه على عدم تفويت أي فرصة لربح معارك دبلوماسية وإحباط دسائس الخصوم، يدرك أنه لن يفوت فرصة القمة العربية المنعقدة في الجزائر لإحراج نظامها في عقر داره، وجعله يتجرع انتكاسة دبلوماسية أخرى.
من حيث الشكل، فحضور جلالة الملك للقمة سيفرض على الرئيس تبون استقباله وفقاً للأعراف الدبلوماسية وعزف النشيد الوطني والسلام عليه من طرف أعضاء الحكومة الجزائرية، نفس الحكومة التي قطعت علاقاتها مع المغرب وتصفه بالبلد المحتل.
من حيث المضمون، فإن حضوره سيشكل حرجاً كبيراً لنظام العسكر. فإذا كانت الجزائر تدعي وحدة الصف العربي، فها هو الملك يأتي إليها ويمد يده إليها ويدعوها للحوار لتجاوز الخلافات بغية توحيد الصف العربي. إلا أن شيئا من ذلك لن يقع.
وبما أن الملك يعي ذلك، فإنه سيحرص على حضور القمة حتى يشهد الرأي العام العربي والدولي على النوايا السيئة وخبث النظام الجزائري. فإذا كانت للجزائر أي مظالم تجاهه، فما عليها إلا أن تظهر بالحجة والدليل تلك المظالم حتى يكون العالم شاهداً على حسن أو سوء نيتها.
إلا أن هذا النظام لا يتوفر على أي دليل أو حجة يمكن أن يبرر بها سياسته العدائية تجاهه سوى أنه يستعمل المغرب كورقة داخلية من أجل الحفاظ على حكمه. ومن ثم، فإن الجزائر ستخرج من هذه القمة وهي في وضع لا يحسد عليه، وسيقف العالم على خبث نظامها ودوره في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
أضف إلى ذلك أن حضور الملك للقمة ستكون مناسبة ليتكلم مباشرة أمام الرأي العام الجزائري والعربي، ويذكر بالنوايا الحسنة للمغرب تجاه الجزائر، وبعزمه تجاوز كل الخلافات من أجل بناء تكتل مغاربي بإمكانه مقارعة باقي التكتلات الإقليمية الأخرى، والدفاع عن مصالح شعوب المنطقة.
كما ستكون القمة فرصة للحديث عن الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها البوليساريو ضد المغرب بدعم كل من الجزائر وحليفتها إيران، ولحث الدول العربية على التعامل بحزم مع هذه الأنشطة، ومن ثم اعتماد قرار يدين تدخل إيران في المنطقة العربية، ويوجه إنذارا لأي بلد عضو يتعاون معها.
أعتقد أن المسؤولين المغاربة يدركون تمام الإدراك بأن المغرب أمام فرصة تاريخية لتوجيه ضربة دبلوماسية للجزائر في عقر دارها، ولا أتصور أن المغرب سيضيع هذه الفرصة التي قدمها له النظام الجزائري فوق طابق من ذهب.