Home Slider site المغاربة ضحايا قوارب الموت في قبور مجهولة بمقابر مسيحية إسبانية – الحسين...
فشل المشروع التنموي القديم، كان من دون أدنى شك، السبب الرئيس في الدفع بمئات الآلاف من الشباب المغربي لمعانقة حلم الهجرة السرية، واسترخاصهم الحياة مقابل الإقدام على خوض الحرب مع أمواج البحر، او المخاطرة المشؤومة التي خلفت الآلاف من الضحايا، والمآسي الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى، والجراح العميقة في قلوب آلاف الأسر يستحيل شفاؤها، ودراما اجتماعية غاية في البؤس، كمقتل الشابة التطوانية طالبة القانون على متن قارب الهجرة السرية برصاص البحرية الملكية..
الهجرة السرية بسوداوية فصولها، دخلت تاريخنا الحديث من بابه الواسع، في ظل وضعية انسداد الآفاق وتفشي ظاهرة الفقر وانعدام التساوي في الفرص في ظل غياب العدالة الاجتماعية، مما أدى إلى أن يسيطر اليأس على نفوس شرائح واسعة وعريضة من الشباب المغربي.
محمد سرت، الذي زارته جريدة الإسبانيول، مزارع فقير الحال ينحدر من قرية سوق الحد نواحي مراكش، قرية نائية غائرة في تجاويف المناطق الداخلية من المغرب المنسي، حيث لم تعرف الأسر التي تعيش فيها والبالغ عددها 120 عائلة الكهرباء سوى منذ بضع سنوات. يبدو المكان كما لوكان ينتمي لزمن آخر، إذ يجهل الكثير من ساكنة المنطقة تواريخ ميلادهم، ويستخدم معظمهم عربات تقليدية تجرها الخيول والحمير لتلبية حاجاتهم للتنقل..
قبل عام، دفع محمد عن غير قصد لابنه عبد الخالق ثمن تذكرة سفر نحو الموت، كلفته اقتراض ودفع مبلغ مالي قدره 1400 يورو مقابل إركاب وتسفير ابنه على متن قارب من نوع باطير patera، غادر إحدى شواطئ المنطقة الشمالية من المغرب يوم 3 نوفمبر 2018 في اتجاه إسبانيا محملا بـ.. 47 مهاجرا سريا. غرق القارب بالقرب من ساحل منطقة بارباطي بالساحل الأندلسي، ليلقى ابنه عبد الجق حتفه غرقا إلى جانب عدد غير محدد ممن كانوا على متنه..
المصيبة أن محمد سرت الأب المكلوم لم يتمكن لحد الآن من استعادة جثمان ابنه حتى يتسنى له دفنه بمقبرة القرية القريبة من مقر سكناه، هذا بالرغم مما يروج له من كلام مفاده أن كلا من مجلس الجالية والوزارة المتدبة لدى وزير الخارجية المكلفة بمغاربة العالم يتكفلان بترحيل جثامين موتى مغاربة العالم..
معضلة محمد سرت، الرجل الفقير، هي أنه لا يتوفر على الموارد المالية الضرورية التي تتيح له إمكانية تحصيل فيزا شنكن، ولا المال الكافي لتغطية مصاريف السفر والإقامة بإسبانيا، ودفع تكلفة افتحاص الحمض النووي لكي يتسنى له التعرف على جثة ابنه الهالك من بين المئات من جثامين ضحايا الغرق، واستخراجها وإرسالها إلى قريته. إنه ليس الوحيد الذي يعيش وبقلبه غصة وحسرة على عدم التمكن من نقل رفات ابن له يجهل مكان دفنه. ففي كل سنة تدفن جثامين المئات من الشباب المغربي ضحايا فواجع غرق القوارب بحفر جماعية كمقبرة طريفا أو بمقبرة مدينة قادس الإسبانية، في قبور تنعت بـ “قبور بدون اسم”، وتحت هذا المسمى يرقد عبد الخالق في قبرمجهول الهوية، تشفق من حال قبره البعض من النساء الإسبانيات اللواتي يضعن عليه أكاليل من الزهور بين الفينة والأخرى، لا يتأخر الجفاف في أن يغتال تويجاتها فتذبل وتموت..
عبد الخالق وأمثاله ممن تجد جثامينهم مكانا لها سواء في مقابر جماعية في شكل حفر أو بمقبرة قادس، هم مواطنون مغاربة من الدرجة الثانية أو أقل، لا ترسل إليهم الطائرات الخاصة المجهزة لاستعادة جثامينهم من أمهات الكلينيكات والمستشفيات ذات الشهرة العالمية، حيث كانوا يتعالجون على نفقة الدولة بالخارج.. ولا تقام لهم دور العزاء الباذخة، ويشغل روبورتاج نقل مراسيم دفنهم الحيز الأكبر في نشرات الأخبار المتلفزة..
بكل بساطة، هم فقراء يدفعون ضريبة فقرهم.