إن كرولونجيا الأحداث السياسية في تاريخ المغرب المعاصر انطلاقا من توقيع عقد الحماية الفرنسية/ بداية الاستعمار الإمبريالي وتقسيم البلاد إلى شمال وجنوب تحت حكم إسباني، ووسط وغرب وشرق وأقصى الجنوب تحت السيطرة الفرنسية ومدينة طنجة منطقة دولية، بتوقيع عهد الحماية، هو ما يمكن تسميته حداثيا بالتغيير الشامل سياسيا واقتصاديا وإداريا ولغويا وثقافيا، ما عدا ذلك هي أحداث تابعة لترسيخ نموذج التغيير الحداثي الاستعماري الإمبريالي المفروض قهرا كطفرة مباغثة مفاجئة، شلت كل قدرات المقاومة الطبيعية، ولم تترك إلا فرص التأقلم والتكيف مع الوضع الجديد الغريب على حساب مئات الآلاف من الضحايا والشهداء، وإفقار وتجهيل وتشريد شرائح واسعة من الشعب.
أما محطة نهاية الكفاح المسلح سنة 1933 فهي تعني التهدئة العامة في جميع مناطق البلاد سهولها وجبالها، وإخضاعها الشامل لسيطرة الاستعمار الذي استتبت له الأمور، وشرع في تطبيق خططه الطويلة الأمد، منها إصدار الظهير البربري الذي رغم مقاومته من طرف علماء الأمة وزعمائها الوطنيين وجميع فئات الشعب في المدن والقرى والأرياف بقراءة اللطيف في المساجد، ما زالت آثاره مستمرة حتى الآن بهدف طمس الهوية وزعزعة وإضعاف الجبهة الداخلية للبلاد.
ويأتي الحدث الثاني البارز تاريخيا وسياسيا انطلاقا من مؤتمر “إيكس ليبان“، حيث تم التفاوض على استقلال ممنوح، تفاوض لم يلتزم بما نص عليه عقد الحماية بخصوص خريطة المغرب الحقيقية التي أقرها المؤتمر الدولي بالجزيرة الخضراء سنة 1906، فشهد تفاوض مؤتمر إيكس ليبان، الذي قاومه رفضا الزعيم علال الفاسي من المنفى، أكبر مؤامرة على تقسيم البلاد وانتزاع أطراف شاسعة من وحدتها الترابية شرقا وجنوبا.. ناهيك عن شروط اقتصادية مجحفة للشعب ضامنة لترسيخ واستمرار المصالح الاستعمارية، وبلا أدنى مقاومة تذكر لقرن من الزمن الاستعماري الجديد والقابلة للتجديد طبعا لأسباب متعددة ومحفزة لذلك، منها أساسا ثقل المديونية الخارجية وتراجع واندحار الطبقة الوسطى، وتفشي القلاقل الاجتماعية والسخط الشعبي، بسبب تغول الريع والخوصصة، وتقهقر نسبة النمو الإقتصادي للبلاد..
هذا إذاً، فالحدث التاريخي القادم يتجلى في محاولة تجديد شروط الإذلال والمهانة، مع غياب تجديد قوى التغيير المحلية. وبالتالي غياب الفاعل الشعبي سياسيا وفكريا على المستويين الوطني والدولي، حيث يمكنه أن يفاوض الآخر بقوة وحصانة سياسية وفكرية.. فإن قوى التغيير الوطنية الكلاسيكية في المشهد السياسي الراهن تتسم بالضعف والبلقنة، ومحاولتها اليائسة للانتعاش والاستمرار كأطلال لأمجاد عفا عنها الزمن، بسبب ارتهانها بقيم عددية مادية للتهافت على الفوز بالاستحقاقات الانتخابية في جانبها النفعي الانتهازي، مقابل تخليها عن قيمها الفكرية، والتفريط في أسباب قوتها الحقيقية (مبادئها التاريخية ومناضليها الأوفياء..).
هذا ودون أن ننسى ما لارتباط المغرب العضوي بفرنسا وتبعيته لها في كثير من نواحي السياسة والاقتصاد والثقافة واللغة والتعليم والقوانين الإدارية والعقارية والجنائية.. من فرامل كابحة لأي إرادة وطنية للتغيير.. إلى جانب تأثره بالهزات السياسية والاقتصادية العالمية في ظل ضعفه المقاولاتي، وعدم قدرته على منافسة الاقتصاديات العالمية القوية. فأي محاولة لإحداث صدمة التغير العميق والجذري ستكون مغامرة غير محسوبة العواقب..