كاتب وشاعر كردي مقيم ببلجيكا
التطرّف تطرّفان: الأوّل، قوامه التزّمت والانغلاق إلى درجة الدوغما العقيديّة، عبر عبادة الأشخاص والأفكار دون فهمها، أو فهمها وفق سياق أحادي لا ثاني له، يرفض أي سياق آخر لفهمها. هذا الصنف من التطرّف، هو أصناف، فيه القومي والديني والمذهبي والآيديولوجي- الوضعي.. أيضاً، تعتاش على الجهل ومرابعه ومراتعه الجهالة. وهو من أعتى أعداء النقد والاستنارة، والشائع بين العوام. هذا التطرّف رغم ترويجه لمقولات: الدفاع عن القضايا والأوطان والحقوق والعدالة والديمقراطية أو نشر الخير والعدل..، فهو قادر على تحويل الشعوب إلى قطعان والأوطان والدول والمجتمعات إلى حظائر وإسطبلات.
الثاني قوامه زعم الاعتدال والموضوعيّة والحياديّة والعقلانيّة إلى حدّ الميوعة والابتذال. يجري ذلك تحت عناوين جميلة وبرّاقة: وأد الفتنة، تجنيب المجتمع المخاطر والأهوال وتباعات الصراعات، وهو الشائع بين النخب.
التطرّف الأوّل، يستحيل مناقشته، أيّاً كانت الأدوات والحجج والبراهين وطرائق الاستدلال المنطقي، ودوماً وأبداً هو المنتصر في أي نقاش.
الصنف الثاني يمكن مناقشته ومحاججته، بنفس منطقه وأدواته، وغالباً ما يكون الخاسر في النقاش.
التطرّف الثاني، بشكل مباشر أو بغيره، هو أحد مصادر ومغذّيات التطرّف الأوّل. أمّا هذا، فهو، بشكل مباشر أو بغيره، أحد نتائج التطرّف الثاني.
هذان التطرّفان مختلفان في الأدوات والمعايير والأفكار، لكنهما حلفاء وشركاء، ولو بشكل غير مباشر، في صناعة وإنتاج الانحطاط وانزلاق المجتمعات نحو التوحّش.