أَرَى التَّاريخَ يَركُضُ نَازِفًا!
(في رثاء محمد مرسي رئيس مصر)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تصدير: ليس من الضروري أن تكون من الإخوان المسلمين أو مساندا لهم لتكتب شيئا جميلا في حق الرئيس محمد مرسي ــ رحمه الله ــ، الذي تمت تصفيته سياسيا وجسديا! تضاف هذه الجريمة في حق رجل انتخبه الشعب وأطاح به النظام القائم، قبل نهاية مدة رئاسته، إلى سجل الجرائم التي يحبل بها تاريخ العرب الديني والسياسي منذ نشوء دولة الخلافة إلى بناء الدولة الحديثة. تصفية مرسي هي هدر لكل محاولة تهدف إلى إرساء دعائم ثابتة لممارسة السلطة بنزاهة وشفافية.
عاش مرسي شريفا ومات شريفا، كباقي ضحايا العنف السياسي في العالم العربي!
هكذا يتفاعل الشعر مع الوقائع، وهكذا يؤرخ للأحداث التي تبنيها الشعوب وينسفها المتحايلون على التاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص القصيدة
********
يَموتُ كَريمٌ عاشَ طولَ حَياتِهِ
ــــ كَريمًا بِبَيْتٍ لَيْسَ فيهِ كِرامُ
وَيَفْنى بِقَبْوِ الدَّارِ كُلُّ عِظامِنا
ــــ وَيَسْطو عَلَى أَرضِ الْعِظامِ لِئامُ
إِذا هِيَ دالَتْ لِلْعُتاةِ رَأَيْتَها
ــــ حُطامًا وَإِرثُ الْغابِرينَ حُطامُ
فَكَيْفَ نُواري التُّربَ مَنْ هَتَفَتْ بِهِ
ــــ مَساجِدُ مِصرٍ وَهْوَ قَبْلُ إِمامُ؟
يَقولونَ مُرسي أَصلُ كُلِّ مُصيبَةٍ
ــــ وَتَطبيعُ ما سَنُّوا عَلَيْهِ لِزامُ
وَما هُوَ إلاّ الشَّرُّ سَيَّرَهُ الْهَوى
ــــ كَأَنَّهُ نَذْلٌ وَالْبُغاةُ كِرامُ
وَقالُوا حَماسٌ كانَ يَخْطُبُ وُدَّها
ــــ وَمِصرُ لَها بَعلٌ وَمِصرُ سَلامُ!
وَقالوا لَنا الإِخْوانُ أَصلُ سَقامِنا
ــــ وَشَأْنُهُمو في الْعالَمينَ سَقامُ
لَحا اللهُ شَرعًا هَوَّدُوهُ بِحيلَةٍ
ــــ حَلالٌ عَلَيْهِمْ وَالْحَلالُ حَرامُ!
تَرَى الْعَسْكَرَ القَتَّالَ في كُلِّ مِحنَةٍ
ــــ يَصُولُ وَفي عِزِّ اللِّقاءِ يُضَامُ
يُفَجِّرُ في أَمْنِ الْبِلادِ قَنابِلاً
ــــ وَيُثْخِنُ فينا والْأَمانُ حِمامُ
أَنا عَجَبي لَمَّا أَرَى مِصْرَ تَحتَفي
ــــ بِمَوْتِ كَرِيمٍ ماتَ وَهْوَ هُمامُ
وَقَبْلُ بِقُطْبٍ ظَلَّ لَيْلُ غُرُوبِنا
ــــ مُطِلاًّ كَأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ يَنَامُ
بِمِصرَ أَرَى التَّاريخَ يَركُضُ نَازِفًا
ــــ وَقَدْ فَسَدَتْ أَرضٌ وَطَاشَ نِظَامُ
تَسَلَّطَ نَسْرٌ وَانْتَشَى بِفِراخِها
ــــ فلا عَيْشَ يَحلُو أَوْ يَطِيرُ حَمَامُ
لَكِ اللهُ سِينَاءُ الْأَبِيَّةُ لَيْتَنا
ــــ كَسِينَاءَ كُنّا أَوْ يَكُونُ فِصَامُ!
لَنَا الْأَرضُ وَالذِّكْرَى، لَنَا أَلْفُ قِصَّةٍ
ــــ وَنَحْنُ مَتى جارَ الزَّمانُ حُطامُ
فَنَاصِرُ غَنَّى ثَوْرَةً بِدِمَائِنَا
ــــ نَشِيدًا وَلَمْ يُخْتَمْ عَلَيْهِ خِتَامُ
وَوَحدَتُهُ الشَّامُ الْجَريحُ أَبادَهَا
ــــ كَمَا الْبَعثُ بَادَا بَعدَهَا وَشَآمُ
وَتَصرُخُ طَابَا قَاسَيُونُ سَيَرتَقِي
ــــ وَمِنْ بَرَدَى الْجُولانُ سَوْفَ يُسَامُ
فَمَا الشَّامُ إِلاَّ إِرثُ كُلِّ فَجِيعَةٍ
ــــ لَها شَامُهَا، كُلُّ الْفَوَاجِعِ شَامُ!
أَيَا زَارِعَ الْفَوْضَى عَلَى النِّيلِ لَنْ تَرَى
ــــ عَلَى النِّيلِ قُدَّاسًا عَلَيْكَ يُقَامُ
وَلا هَرَمًا يَمْشِي إِلَى الْقَصرِ رَاكِعًا
ــــ وَفِرعَوْنُ لَمَّا نَصَّبُوهُ غُلاَمُ
أَبا الْهَوْلِ مَهْلاً سَوْفَ يَنْسِفُكَ النَّدَى
ــــ لِأَنَّكَ مَهْما صُلْتَ أَنْتَ رَغَامُ!
فَلَسْتَ كَمَنْ حَجُّوا وَزِدتَ بِعُمْرَةٍ
ــــ وَلَسْتَ كَمَنْ صَانُوا الصَّلاةَ وَصَامُوا
وَلَسْتَ عَلى أَرْضِ الْكِنَانَةِ سَيِّدًا
ــــ مَتَى كانَ لِلْمُسْتَعبِدِينَ مَقَامُ؟
وَلَسْتَ هُنَا عِنْدَ الْعَزِيزِ كَيُوسُفٍ
ــــ أَمِيرًا عَزِيزًا في الصّعَابِ تُرامُ
وَلَسْتَ بَشِيرًا، لَسْتَ أَنْتَ نَبِيَّنَا
ــــ لِتَصْدُقَ بُشْرَى أَوْ يَطِيبَ مَنَامُ
وَلَسْتَ كَمَا زَغْلُولُ يَحمِلُ وَفْدَهُ
ــــ وَنَاسُكَ إِنْ قَامَتْ جُمُوعُكَ نَامُوا
وَلَسْتَ حَذامِ الْعُربِ تَنْطِقُ صَادِقًا،
ــــ سَتُرفَعُ جَهْلاً إِذْ يُقَالُ: حَذَامُ!
وَلَسْتَ سِوَى لَيْسَ الَّتي جَمَدَتْ وَلَمْ
ــــ يَكُنْ حَاَضِرٌ لَمَّا تَجِي وَمُقَامُ
طَعَنْتَ إِمَامًا وَاسْتَرَحتَ بِدَارِهِ
ــــ وَقُلْتَ لَهُ: دَارِي عَلَيْكَ حَرَامُ!
وَلِي أَنْتَ صَيْدٌ كَمْ أَجُوعُ وَأَشْتَهِي
ــــ وَأَنْتَ طَعَامِي وَالْبِلاَدُ إِدَامُ
فَهَا أَنْتَ تَأْتِي والسِّنِينُ هَزِيلَةٌ
ــــ وَمِصرُ حَنَانٌ في هَوَاكَ غَرَامُ!
فَتَأْكُلُ أَبْقَارًا سِمَانًا وَتَنْتَقِي
ــــ سَنَابِلَ خُضْرًا وَالْأَنامُ صِيَامُ
سَجَنْتَ أَهَالِينَا بِغَزَّةَ مَاكِرًا
ــــ فَإِنْ قِيلَ: جَوْرٌ!، قُلْتَ لَسْتُ أُلامُ!
نَعَمْ بِعتَ بَخْسًا لِلْعَدُوِّ عُرُوبَةً
ــــ فَهَلْ يَردَعُ اللِّصَّ الْخَؤُونَ مَلامُ؟
نَعَمْ بِعتَ أَرضًا كَانَ يَسْكُنُ بَرَّهَا
ــــ أُبَاةٌ وَها هُمْ في التَّشَرُّدِ هَامُوا
فَما ذَنْبُهُمْ إِلاَّ الْعُرُوبَةُ لَيْتَهَا
ــــ غَدَتْ شَرْعَ مَنْ شَدُّوا الْحِزَامَ ولاَمُوا
تَصُولُ وُجُوهٌ سَوْفَ يَسْقُطُ عِزُّهَا
ــــ وَلَيْسَ لِعِزِّ الظَّالِمِينَ دَوَامُ
وَكَمْ جِنِرَالاتٍ تَقَوَّضَ بُرجُهُمْ
ــــ فَلا دَامَتِ الْأَبْرَاجُ أَوْ هُمُ داَمُوا
وَكَيْفَ يَدُومُ الْعِزُّ في عِزِّ بَطْشِهِمْ
ــــ وَهُمْ في تَهَاوِيلِ الْمَذَلَّةِ عَامُوا؟
لَكَ اللهُ مُرْسِي عِشْتَ أَشْرَفَ قَائِدٍ
ــــ وَمِتَّ كَرِيمًا وَالْكِرَامُ عِظَامُ
فَمَنْ جَاءَ بَعدَ الْيَوْمِ بَعْدَكَ مُذْنِبٌ
ــــ عَلَيْهِ سِبَابُ النَّاقِمِينَ سِهَامُ
وَرَاءَكَ شَعبٌ كُنْتَ أَنْتَ إِمَامَهُ
ــــ وَرَاءَكَ يَمْضِي وَالْأَمَامُ أَمَامُ!
فَما مَاتَ حَقٌّ أَوْ تَشَرَّدَ طَالِبٌ
ــــ وَفي يَدِهِ عِنْدَ الْإِلاهِ زِمَامُ
رِثَائِي لَكَ الْعِشْقُ الْقَدِيمُ وَلا غَدٌ
ــــ وَأَيُّ رِثَاءٍ بَعدَكُمْ وكَلاَمُ؟
عَلَيْكَ سَلامِي فَاقْبَلِ الْقَوْلَ الَّذي
ــــ يُؤَرِّقُنِي والظَّالِمُونَ نِيَامُ
سَيَكْبُرُ فينا سِرُّ حُلْمِكَ سَيِّدِي
ــــ فَسَلِّمْ عَلَيْنَا ما أَتَاكَ سَلامُ!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باريس، بتاريخ 17 يونيو (جوان) 2019م