أسباب انحطاط المسلمين (التوتّر الطائفيّ) :
مِن المعلوم لدى الكلِ أن مسلمي اليوم قد فقدوا أبّهتهم وهيبتهم، وما كانوا عليه من فخامة وكرامة في سالف الدهور، وغابر الأزمان.
لقد ذهبت ريح المسلمين اليوم، وزالت شوكتهم، وأصبحوا أشباحا بلا أرواح، لا يخافهم أحد وهم يخافون حتى من ظلّ أجسادهم.
تتهكّم عليهم أقوام ومِلل أخرى على النطاق العالميّ، والمسلمون الذين كانت تنبض لهم فرائص القُوى العظمى كالقياصر والكياسر، ويطأطئون رؤوسهم لهيبتهم إكراماً، ويخرّون للأذقان لهم تعظيماً واحتراماً، أصبحوا اليوم لا يتذعّر منهم أحد، ويُعتبرون أمة ضعيفة وجثة هامدة لا حِراك بها، فيُستهزأ بهم وبشريعتهم، وأعظم من ذلك كلّه أن كفرة اليوم يطعنون في عِرض خيرالأنام -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- ويقدحون فيه، ويسخرون من أزواجه الطيّبات الطاهرات، ويزدرون بآله وأصحابه الطيبين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين، وسبب ذلك كلّه أن المسلمين منذ حمِي فيما بينهم وطيسُ المعارك الطائفية، واشتعلت نيران الاضطرابات العصبيّة، وأفتى بعضهم على بعض بكفر، وارتداد، وفسق، وتزندق، فانشقّت عصاهم، وتفرّقوا شذر مذر كثلّة غنم لا راعي لها، فتفترسها الذئاب الضارية وتمزّق أشلاءها بأنيابها الدامية.
انظروا -يا معشر المسلمين- إلى الصحابة رضي الله عنهم أجمعين واقرأوا تاريخهم وسيرتهم، أنهم مع اختلاف ألوانهم ولغاتهم وقبائلهم كانوا في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كجسد واحد.
كان في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم سلمان فارسيا، وصهيب روميا، وأبو ذر غفاريا، وطفيل دوسيا، وسراقة جعشميا، وبلال حبشيا وهلمّ جرّا، ولكن كلهم كانوا تفسيرا تطبيقيا وعمليّا لقول الله عز وجل :《إنما المؤمنون إخوة》، كانوا يحبون للآخرين ما يحبون لأنفسهم، بل كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهذا هو سبب إعلاء سطوتهم، وأكبر نصير لنصرتهم، وحصنا حصينا لحفظ شوكتهم، وثبوت زعامتهم على جميع أنحاء العالم.
أما فيما يختص بنا فأمر يجعلني أبكي بدموع الدم عندما أفكّر في الأمة التي ربّاها النبي صلى الله عليه وسلم أحسن تربية، ولمّ شتاتها في عُرىً وثيقة، ولقّنها درس الأخوّة والمحبة وهي اليوم أصبحت أعداءً لِداداً لبني جلدتها وإخوتها، بسبب الحقد الطائفيّ والضغينة العصبيّة فقط، وأيضا أمر مستغرب بل مضحك أنّ كلّا منّا يظنّ نفسه من أهل الجنة ويظنّ خصيمه من أهل النار، كما أن الديوبنديّين يُفتون -في المسائل الفرعية- على البريلويّين وأهل الحديث والشيعة بالنار، وعلى العكس هم يزنونهم بنفس الصاع ويفتون على الديوبنديّين بالكفر … فدعني أسألكم أنّ كلّا منّا إذا كان من أهل النار فلمن جنة الغفّار؟ فهذا هو -يا معشر المسلمين- من أعظم أسباب انحطاطنا واضمحلالنا، وإلا إذا ألقينا النظرة على عددنا في الوقت الحاضر فيتجاوز عددنا البشري المليار، وإذا ألقينا النظرة على مواردنا فأكثر آبار النفط، وذخائر المعادن النفيسة، ومناجم الفحم والذهب والفضة تحت سيطرة المسلمين، وإذا ألقينا النظرة على وضعنا الماليّ فنحن أكثر أقوام العالم مالا وثراء، ولكن مع ذلك الذلُّ والهوانُ من نصيبنا، وما سببه إلا تفرّقنا المذهبيّ وتوتّرنا الطائفيّ.
بالمقارنة معنا في زمن الصحابة رضي الله عنهم لم يكن عندهم قوّة الموارد، والأموال الطائلة، والأسلحة والقنابل والصواريخ ولكن عندهم قوةُ التنسيق والائتلاف، وتوحّدِ الكلمة والأفكار، لذا نراهم في مرآة التاريخ وهم مع قلّة عددهم يهزمون الجيوش، ويدوخّون الممالك، ويفتتحون البلاد ويمصّرون الأمصار.
فسبب ضعفنا وانهزامنا -يا معشر المسلمين- ليس قلّة الأشياء والأسباب، ولا قلّة المدافع والبنادق والقنابل والصواريخ، ولا قلّة الجيوش والعساكر، ولا قلّة التكنولوجيا والعلوم الطبيعية، بل إنما سبب ضعفنا وخذلاننا وفشلنا هو تنازعنا وتفرّقنا في الكلمة والرأي. ولِمَ هذا التفرّق والتشتّت -يا إخواني- بينما ربّنا واحد، ونبيّنا واحد، وديننا واحد، وكتابنا واحد؟
فتوحّدوا -أيها المسلمون- وتظافروا على كلمة واحدة، واستمسكوا بالعروة الوُثقى، واعتصموا بحبل الله، ولا تنازعوا ولا تفرّقوا، واخرجوا من التوتّر الطائفيّ لتفوزوا على الأمم الأخرى فوزاً عظيماً، وتبلغوا شأواً جليلاً، ويُخلد لكم ذكراً جميلاً على صفحات التاريخ بكرةً وأصيلاً.
أطوي بساط كلامي بقول شاعر :
كونوا جميعاً يا بَنيّ إذا اعْترى
خَطبٌ ولا تتفرّقوا آحادا
تأبى القِداح إذا اجتمعنَ تكسُّراً
وإذا افْترقنَ تكسّرتْ أفرادا
وقال شاعر :
إنّ القِداح إذا اجتمعنَ فرَامها
بالكسر ذو حَنقٍ وبطشٍ أيِّدِ
عزّتْ فلم تُكسر وإن هي بُدّدتْ
فالوهنُ والتكسير للمتبدّدِ