سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الضوء على الغضب المتصاعد تجاه اليهود المتدينين داخل الكيان الإسرائيلي جراء خرقهم للتعليمات الصحية للوقاية من فيروس كورونا.
وتقول الصحيفة في تقريرها إنه في الوقت الذي تخضع فيه “إسرائيل” للإغلاق الوطني الثالث، فقد اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بصور لرجال يرتدون ملابس سوداء يتزاحمون بوقاحة في المدارس وحفلات الزفاف وغيرها من الأحداث، بما في ذلك 20 ألفا في جنازة حاخام بارز في القدس مؤخرا.
واعتبر النقاد العلمانيون، المتدينين الأرثوذكس، سواء كان ذلك منصفا أو غير ذلك، ناشرين للمرض بتفوق كبير، ومعطلين لسباق البلاد للخروج من قبضة فيروس كورونا عن طريق التطعيم.
وتحدثت فيفيان شنفيلد، 60 سنة، عن الغضب الذي تشعر به حتى من بعض أفراد عائلتها الأقل تدينا: “لم يعد الوضع الآن متوترا فحسب، إنه شعور كراهية.. الآن بدأت تبدو وكأنها حرب”.
ويعتبر أفراد عائلة شنفيلد أنفسهم متدينين “حداثيين”. إنهم يرتدون أقنعة، وقد تم تطعيمهم، وأدانوا منتهكي كوفيد-19 الذين أحرقوا حافلة على بعد بضعة مبانٍ من منزلهم احتجاجا على قيود الإغلاق. لكنهم أيضا أصبحوا منبوذين، وابتعد الأصدقاء القدامى عنهم وأصبحوا غير قادرين حتى على إحضار مصلح لإصلاح ثلاجتهم.
ويمكن أن يكون لرد الفعل العنيف تأثيرات ثقافية وسياسية بعد انتهاء الوباء.
قالت تمار العور، أستاذة الأنثروبولوجيا في الجامعة العبرية والباحثة لفترة طويلة في الثقافة الأرثوذكسية المتطرفة: “كان هناك شرخ يتنامى منذ فترة، والوباء يجعله أوسع.. عندما يختفي هذا الفيروس، لن يكون هناك شيء كما هو”.
اليهود المتشددون -أو الحريديم كما يُعرفون بالعبرية- يتجنبون إلى حد كبير المجتمع الحديث. وعلى مدى عقود، منحتهم الحكومات الإسرائيلية استقلالية مقابل دعم قادتهم في البرلمان ودعمت أسلوب حياة يفضل دراسة التوراة على التوظيف مع مدفوعات الرعاية الاجتماعية.
وقال يائير لابيد، زعيم المعارضة البرلمانية، في حملة إعلان يقارن بين فصل فارغ أثناء الإغلاق بآخر مليء بالطلاب الأرثوذكس المتطرفين: “لقد حان الوقت لأن يكون لدينا قانون واحد للجميع”.
ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة في 23 آذار/ مارس، وقد استغل المعارضون الغضب باعتباره هراوة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُلقى باللوم عليه لعدم فرض قيود في قطاع أساسي لائتلافه الحاكم. (2% فقط من الغرامات التي صدرت العام الماضي لانتهاك قيود فيروس كورونا كانت في المناطق الأرثوذكسية المتطرفة، وفقا لـمنظمة Be Free Israel، وهي مجموعة تدعو إلى التعددية الدينية). وتشغل أحزاب الحريديم، التي تلعب غالبا دور صانع الملوك في البرلمان، 16 مقعدا. وتشير استطلاعات الرأي، بما في ذلك استطلاع نشرته القناة 12 الإخبارية في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أن 60% أو أكثر من جميع الإسرائيليين يريدون خروج الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة من الحكومة.
وفي كانون الثاني/ يناير، اقترح وزير الدفاع بيني غانتس إنهاء استثناء المتشددين من التجنيد الإجباري المفروض على اليهود الإسرائيليين الآخرين. ويجدد الأكاديميون ورواد الأعمال دعواتهم لمدارس الحريديم لتدريس الرياضيات والعلوم الأساسية. وفي نفس الوقت، يواصل بعض المشرعين العلمانيين استهداف مدفوعات الرعاية الاجتماعية لكل طفل والتي تدعم العائلات الكبيرة من الحريديم.
حتى داخل المجتمع، تبرز التوترات بين المتشددين وغيرهم ممن بدأوا بالسعي للحصول على التعليم والوظائف خارج أحيائهم.
وقالت هيلا ليفكويتز، الناشطة الأرثوذكسية المتطرفة التي ترشحت للبرلمان كجزء من حزب ديني بديل جديد: “لم يعد بالإمكان تجاهل الأمر.. الطريقة التي يعمل بها المجتمع الحريديم، باستقلالية، نرى الآن مشاكل في هذا الجانب”.
تعود العلاقة الخلافية بين مسؤولي الصحة العامة والحريديم إلى بداية الوباء. كان معظم الحاخامات يطيعون الأوامر المبكرة بإغلاق المدارس والمعابد اليهودية، ولكن على مضض، مستشهدين بالدور المركزي للتجمعات الدينية اليومية في حياة الحريديم.
ومع ظهور التعب من الوباء، نما التحدي. وأمر بعض الحاخامات، الذين اشتكوا من السماح للإسرائيليين العلمانيين بالتجمع في احتجاجات سياسية حاشدة ضد نتنياهو كل أسبوع، بإعادة فتح المدارس الدينية، التي تسمى ييشيفا. وعادت حفلات الزفاف والجنازات، واستقطب بعضها المئات.
وبحسب بيانات وزارة الصحة، يشكل اليهود الأرثوذكس المتشددون 12 في المائة من السكان، ويشكلون أكثر من ربع حالات الإصابة بفيروس كورونا.
بعد شهرين من حملة اللقاح، بدأ معدل الإصابات الجديدة في “إسرائيل” في الانحناء للتو. حيث أصبح المتوسط الأسبوعي 6952 حالة إيجابية جديدة منخفضا على مدى ثلاثة أسابيع من 8624 حالة في الأسبوع.
وتعتبر إملاءات الحكومة، على أي حال، مرفوضة من الأرثوذكس المتشددين، الذين يرفض العديد منهم سلطة الدولة بديلا عن سلطة الكتاب المقدس. وكما هو الحال في أمريكا، فقد أصبحت القيود المفروضة على انتشار فيروس كورونا سياسية.
وقال إسحاق شينفيلد: “إذا قالت الحكومة، ارتدوا قناعا، فهذا سبب لهم لعدم ارتداء الكمامة”.
الحريديم المعاصرون -الذين يلتزمون بتعاليم التلمود لكنهم لا يرفضون صراحة الحياة السائدة- يخشون من أن التوترات بين مجتمعهم والمجتمع الإسرائيلي الأوسع يمكن أن تمزق الروابط المتنامية بين هذين العالمين.
ما يقرب من ثلثي الحريديم هم دون سن الـ19 ويدخلون إلى القوى العاملة بأعداد أكبر. ووفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، تعمل أكثر من 76% من النساء الحريديم خارج المنزل الآن حتى مع بقاء الرجال في الغالب بحياة دراسة التوراة. كما زاد عدد الطلاب الأرثوذكس المتشددين في التعليم العالي بأكثر من الضعف في العقد الماضي، رغم أنه لا يزال أقل من 13 في المائة.
ويساور إسحاق شنفيلد، الذي تمكن مؤخرا من تشغيل سباكين وكهربائيين من الحريديم، القلق من أن هذا التقدم المتواضع سينعكس إذا قام السياسيون العلمانيون بقمع الأرثوذكس المتطرفين باسم السيطرة على الوباء.
وقال: “نحن في وسط اندماج كبير.. في اللحظة التي يشعرون فيها بالاضطهاد، سيغلقون الصندوق مرة أخرى”.
ويوضح شنفيلد، 61 عاما، الانقسام داخل عالم الحريديم. فقد ولد وترعرع في بني براك، أحد مراكز الحياة الأرثوذكسية المتطرفة في البلاد، وتلقى تعليمه في أكبر مدرسة دينية في “إسرائيل”. ولا يزال يرتدي القبعة السوداء العريضة التقليدية وسروال الركبة لطائفة غور كل يوم سبت ولا يوجد تلفزيون في منزله.
ولكن بعد دراسة التوراة لمدة ساعة كل صباح فهو يعمل محاميا ويمتلك شركة إنشاءات. وخلال زيارة في أحد أيام الأسبوع الأخيرة إلى فناء منزله، فقد كان يرتدي قميصا أزرق اللون وقبعة سوداء. خدم في الجيش في الثمانينيات، ووصل إلى رتبة نقيب، وهو أمر لا يمكن تصوره بالنسبة للحريديين الأكثر صرامة. وأدت توترات الإغلاق إلى توسيع الفجوة بين قوات الأمن والحريديم، الذين لجأ بعضهم إلى رشق دوريات الشرطة بالحجارة.
وقال وهو يشير بإصبعه إلى هاتفه الذكي: “الأشياء التي كانت طبيعية في ذلك الوقت لم تعد طبيعية الآن”.
يقول بعض الأعضاء المعتدلين نسبيا في المجتمع إنهم يعتقدون أن حاخاماتهم قد خذلوهم بالتحدي العلني لأوامر الإغلاق الحكومية، وقد أدى هذا، في بعض الحالات، إلى التشكيك في التسلسل الهرمي الذي يهيمن عليه الذكور. وتشعر بعض نساء الحريديم بالتجرؤ الآن في طلب المشاركة برأيهن بشكل أكبر.
قالت ليفكوفيتز: “لم تعد هناك ثقة بين المجتمع وقادته.. لذلك فإن هناك أناسا لم يدخلوا الحياة السياسية أبدا يدخلون الآن”.
وتحمل عائلة شنفيلد قادتهم المحافظين بشكل أكبر المسؤولية عن خرقهم القيود المفروضة. لكن الشرطة أيضا تتحمل مسؤولية أسوأ الاشتباكات، كما يقولون، من خلال اقتحام شوارعهم بطريقة لن تحدث في حي علماني في تل أبيب. ووُصف مجتمعهم على الإنترنت بلقب “طائفة الموت”، لكن الزوجين يشتركان في الاعتقاد السائد على نطاق واسع بين الأرثوذكس المتطرفين بأنه تم استقصادهم.
وقال إسحاق شينفيلد: “لا أريد أن أرى المعابد اليهودية مفتوحة، لكن يجب عليهم أيضا إغلاق الاحتجاجات”.
المصدر: عربي 21