بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير 2011م بمصر:
قيل عن مصر إِنها أرض الكنانة ومهبط الرسالات وبلد الأمن والأمان. وهي أيضا موطن الأولياء، كالشيخ سيدي أحمد البدوي المولود في فاس سنة 1199م والمتوفي في طنطا سنة 1276م، والإمام شرف الدين البوصيري الصنهاجي (المتوفي سنة 1295م) صاحب «الهمزية» و«البردة» في مدح الرسول الكريم ــ عليه أزكى الصلوات والسلام ــ، وهما من أصول مغربية.
وقد عدَّد الإمام جلال الدين السيوطي (القرن الخامس عشر) في كتابه «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» ما قيل في شأن مصر في القرآن الكريم، كما في سورة يوسف: «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» (الآية 99 ).
لقد بدأ كل شيء جميلاً في مصر، ولكن لم يكتمل فيها أي شيء، فأنف أبي الهول مقطوع، والحسين بن علي ــ كرم الله وجهه ــ الذي قتله شمر بن ذي الجوشن رأس بلا جسد، والثورة نهر كبير خرج عن مجراه الطبيعي. هكذا يتفاعل الشعر مع الوقائع، وهكذا يؤرخ للأحداث التي تبنيها الشعوب وينسفها المتحايلون على التاريخ.
نص القصيدة:
مِصرَ الخَطايا، لِماذا النّيلُ يُفْجعُني
قربانُهُ، أَلِأنَّ النيلَ مُعتَكِرُ
أَمْ أنّ عَذراءَهُ الكُهّانَ ما قَبِلوا
بما لِنيلِهِمُ فَاستُخلِفَ البشَرُ؟
يا نيلُ أهْدَوْكَ آلافَ النُّفوسِ فَلَمْ
تَقْنَعْ بما لفَّقَ الكُهّانُ وابْتكَرُوا
غدا سَيَرْمونَ مُرْسي في عَباءَتِهِ
كيْ يَفرَحَ الربُّ والقَبْطانُ والخَفَرُ
أَلَسْتَ تَشبَعُ يا نيلاً يفيضُ دَما
ولا التَّماسيحُ، والأرْواحُ تُجْتزَرُ؟
واها لِأرضٍ بها العاصي وَصُحْبَتُهُ
كانُوا هُداةً بِأَمْرِ الربِّ وائْتَمَرُوا!
وتُرْبُها اللهُ في التَّوْراةِ مَجّدَهُ
والآيُ في الذِّكْرِ تَذْكيرٌ وَمُذّكَرُ
اَللهُ أَمَّنَنا، قالَ ادخُلوا بَلدا
بِالأمْنِ يَنعَمُ، لَكِنْ عَكْسَ مَا ذَكَرُوا!
لَمْ يَنْجُ من عَبثِ الفَوْضَى بهِ أَحَدٌ
حتى أَبا الْهَولِ مِنهُ الأَنفُ مُنْجَذرُ
أَمَّا الحُسَينُ فَرَأْسٌ لَيسَ يُسْنِدُهُ
جِذْعٌ وشَمْرُ هُنا بالذِّكْر يَفْتَخِرُ
ما لَوْعَتي الْيومَ إلاَّ الأَزهرُ انفَصَمَتْ
عُراهُ حَيثُ به التَّطبيعُ مُعْتَبَرُ
ما كانَ عَوْدُكِ طابَا في مُقايَضةٍ
تَغتالُ أَنْوَرَ عَوْدٌ لِلَّذي خَسِرُوا
صَحراءُ سيناءَ وَالألغامُ تُتْلِفُها
والرّملُ يَشْهَدُ أنّ الصُّلحَ مُنْكَدِرُ
وَسَوفَ بُورُ سَعيدٍ حينَ يَذكُرُهُ
أَنْصارُ ناصرَ يَأْسى حينَ يُذَّكَرُ
وَاللهِ يا بَلَدَ الويْلاتِ إنَّ لَنا
لأُسْوةً، نَقْتَدي بالعزِّ مَنْ عَبَرُوا!
زَغلُولُ وَالوَفْدُ والعقّادُ تُؤْنِسُني
ساعاتُهُ، وبِشَوْقي الشِعْرِ أَنْبَهِرُ
وَقبلُ كانَ صلاحُ القُدْسِ مُنتَصِرًا
والصَّالِحونَ وَمنْ بالرَّبْوَةِ انْتصَرُوا
وَفي القَرافةِ أَقوامٌ نُعَظّمهُمْ
كَالفارِضِ العشْقُ ما جادتْ بِهِ العُصُرُ
وبَعْدهُ بُردَةُ البوصيرِيِّ اشْتَهرَتْ
وَلمْ يكُنْ بَعدَها حَظٌّ لمَنْ شَعَرُوا
والجارُ مُرْسي، وَفي الإسْكَنْدَرِيِّ لَنا
مِنْ ذَوْقهِ حِكَمٌ ما بعْدَها عِبَرُ
وَشَيْخُ أَسْيوطَ والشَّعْرانيُ اخْتَطَفا
قلبي فَصِرتُ بِما قالوهُ أَفْتَكِرُ
وَما الجُنَيْدُ سِوى تاجٍ لِطائِفَةٍ
صَدَّتْ عَنِ الناسِ والدُّنيا وَما ادَّخَرُوا
مِصرُ التي كُنْتُ أّهْوى اليومَ تَلْعَنُني
وَحاضري هلْ لهُ في مِصْرَ مُعْتَبَرُ؟
يَمُصُّني الليلُ منّي لَيْتَهُ نَشَبَتْ
مِنهُ الأَظافِرُ جِسما لَيسَ يَنفَجِرُ!
قَد زُرتُ قاهِرةَ الأجْدادِ فَانْقَهَرَتْ
رُوحي وَما زالَتِ الأَنفَاسُ تَنْقَهِرُ
وَالأزْبَكِيَّةُ والغُورِيَّةُ اشْتَكَتا
صَمْتَ المَعادي وَصَمْتا عَنهُ أَعْتَذِرُ
ما حقَّ لي أَنْ أَرَى التَّحْريرَ مُبْتهِجا
وَمَنْ بهِ قُبِروا في أَرضِهِ كُثُرُ!
وَساحةُ النَّصْرِ لَمّا زُرتُها مَرِحا
ظَلَّتْ تَنُوحُ: مَتى يا قَومُ نَنْتصِرُ؟
أَشْقى لِمِصْرَ فَما عَادَتْ تُغازِلُني،
وَلَسْتُ، إِنَّ دِماءَ الشَّعْبِ تَنهَمِرُ
وَكَيفَ وَالهَرمُ الباقي يُحَدّثُني
بِالجيزَةِ اليَومَ أَنَّ الناسَ قَدْ قُهِرُوا
وَأَنَّ في رَفَحٍ جَيْشا وحاميَّةً
لِجَيشِ صُهْيونَ تَحمِيهِمْ إذا عَسِرُوا
وَأَنّهُ الأَزهَرُ المغلُوبُ لَيسَ لهُ
منْ بَعدِ عِزٍّ قَضى إِرْثا فَيُعْتبَرُ
وَأنّني إنْ أَرى مِصْرَ الَّتي خَذلَتْ
حَماسَ ثُمَّ نَفَتْ مُرْسي سَأَسْتَعِرُ
رُحمَاكِ مِصْرُ فَهَذَا النِّيلُ يَجْرِفُني
وَإِنَّني الْآنَ تَحتَ الماءِ أَنْغَمِرُ!
لَسَوفَ أَطْفُو مَتَى عَادَتْ لِحَاضِرَتي
بالعِزِّ مِصرُ، وَإِلاّ الرُّوحُ تَمتَصِرُ!
وَيْحَ الرَّبيعِ الَّذي قَد جاءَ مُنْبطِحاً
لمّا تَشابهَ في مَعْمُورِنا البَقَرُ
بَلْ قُلْ «خَريفٌ» لَهُ في مِصرَ مَبدَؤُهُ
أمّا الشآمُ وَلِيبْيا فَالأَسَى قَدَرُ !
يَا أُمّنا مِصرُ، يَا أَرضَ العُرُوبَةِ هلْ
آتيكِ مُؤْتَمِناً وَالْقَلْبُ يَنفَطِرُ؟
قُلْتِ ادْخُلُوا ــ آمِنينَ اليَومَ فِي ثِقةٍ ــ
أَرضَ الكِنانَةِ، فَالثُوّارُ قَد ظَفِرُوا
كَلاَّ، يَنايرُ مَا زَالَتْ مَوَاجِعُهُ
تُدمِي، وَكُلُّ أَمَانٍ فيهِ مُنصَهِرُ!