النص موضوع القراءة: “حَدِيثُ الجنُون
في فلك الجنونِ أسبح
أكون الفاتحة
ومسك الخِتام..
لا أكف عن مرواغتي..
أعبر مسالك الدَّهشة
فإذ المعرفة أسوار من نار
تلفحني..
تُلْهِبُنِي
فيكون السحر ويكون التّوقد
حثيثاً
أتقدم..
عجلى،
ألثم قبلة الجنون
وأهتدي لمقام العارفين،
أنسكب ماء زللا
فيربو اليقين..
هل أتاكم حديث الجنون
والمجون
وإذا الجنون غيابٌ وحضورٌ
وإذ الصفحات تُكتبُ
والقلوب تخشعُ
في حضرة الحضور والغياب
أموجُ..
أرسمُ سور التنزيل الأشهى
لمفاتن الحروف..
هل أتاكم حديث المجنون
إذ هو بين ركوعٍ وسجودٍ
وآياتٍ تُتلى..
* * *
بروعة ولغة منتقاة بعناية.. أخذتنا شاعرتنا في رحلة “سحر وتوقد” لنسبح معها في فلك الجنون.. حيث الجنون يفيض شاعرية تنشر عبقا من محارب الصوفية.. وجعلتنا نعايش مفاهيم البدء والختم والعبور.. لتجذبنا إلى ارتياد “مسالك الدهشة”، وتعلمنا حيثيات التجربة الشاعرية (لا الشعرية)، والمعاناة المؤسِّسة لها افتتاحاً (أكون الفاتحة).. والمصاحبة لها امتداداً، وصولا إلى الخاتمة الغاية (مسك الختام).. حيث تصبح الكتابة فيضا روحانيا لا فعلا ماديا:
“أرسمُ سور التنزيل الأشهى
لمفاتن الحروف ..”
وتستشعر الشاعرة أن التجربة الشاعرية ليست مخططا واضح المعالم.. سهل العبور.. وأنها تولد حتما سيناريو متقلبا بين حركة إقبال وإدبار (لا أكف عن مراوغتي).. ومع ذلك هذه التجربة/ السباحة الجنونية تمكن شاعرتنا من “عبور مسالك الدهشة”.. وأعجب من قدرة الشاعرة على استدعاء المفاهيم الصوفية وحال المريدين.. الحال الهدف: الوصول إلى المعرفة.. ومن معايشتها لتجربتها الفريدة تخبرنا أن المعرفة ليست تراكما متداولا يكتسب في أوضاع الاستماع والتعلم.. وإنما مواجهة لأهوالٍ هي في تجلّيها الحقيقي “أسوار من نار”.. تلفح وتلهب..