ما كل ترب وردُه ريحانُ
ونسيمه الإنسانُ والأوطانُ
نمشي على وهج الإشارة لا نعي
أن الإشارة كلها قضبانُ
والصمت ينطق بالبيان لسانه
كلماته من وحيها الطغيانُ
ظهر الفساد بجلدنا كعظامنا
حتى الضمير بصبرنا جوعانُ
لو لم أكن من هاهنا فلأي
ذنب تنتمي في كأسها الأشجانُ
أعلامنا أكفاننا ودمٌ سرى
بعروشهم مذ بيننا قد كانوا!
من جذع حَجّاج تَقطّع ظلمهم
فكأنهم لأصوله الأغصانُ
الذل مركبهم وأمْريكا لهم
دين وإيفانْكا هي الأركانُ
وشعوبهم في وهجها وضياعها
وهوانها وسلامها القربانُ
عنواننا بيت الدعارة والخنا
والمالكون البيت هم غلمانُ
الراقصون على الحبال بعزفنا
لما تدلى تحتها الميزانُ
في كل قصر بئر قبر دافق
وحديقة سرّيّةٌ تزدانُ
كم سورة للوأد تنزل بيننا
لكن جهِلْنا أنها قرآنُ !
كانت سيوف الله فتحا طيبا
فغدت بأوطاني هي الأوثانُ
الكل يحمل خنجرا متأسلما
في حده الطغيانُ والعدوانُ
ظمِئ إلى شعب جميع يقينه
ماء وخبز مثلُه الديدانُ
ظمئ إلى عرش تبدل حرفه
لا العدل ديدنه ولا الفرقانُ
هي فتنة طافت على حدثانها
يا ويحنا ما أضمر الحدثانُ !
وطن يقال بأنه أسطورة
لكنما بهتانه بهتانُ
كذبَ المداد وقد تدارك مُلكه
بالبطش كيف بدونه التيجانُ
والجور في كل الشوارع قد مشى
ليبوء في عري به العريانُ
العالم الحجريُّ ينعم صخره
وبعصرنا تتزينُ الجدرانُ
لا شعب يدرك أنه في ثورة
لا ذاك يدرك أنه الطوفانُ
يتربصان محملقين بعروة
فُكّت بموثقها لهم سيقانُ !
من هاب كيف يهاب مَن مِن خوفه
نُسجت لهم بسياطه الأيْمانُ
أعماره فنيت فكيف فناؤه
يخشى الفناء وخلْده الإيمانُ
وعروشهم محكومة فملوكنا
من عصر بيع العهد: أمْريكانُ
هم كعبة الميقات، وجهُ صلاتنا
ودعاؤنا والكف والرهبانُ
هم قدسنا والسور والمبكى الذي
يبكي عليه المسجد الغضبانُ !
حكامنا لم يذنبوا، هم حفنة
من نقمة ألقى بها الشيطانُ
في وجهنا فتفتحت أوداجنا
فتفتحت فكأنها القيعانُ
فنلومهم ونلومنا لكننا
لسنا ضحايا، إننا السندانُ
كل المطارق فوقنا وضميرنا
في حضننا ينتابه الغثيانُ !
في عالم الحيوان ألف فصيلة
وبعالم الإنسان لا إنسانُ
قابيل أسس دولة الدم وانمحى
عن عوده في لحظة غفرانُ
تتبرّأ الطعنات منه جريحة
إن عاث في أشلائها ميدانُ
تتناسل الأحزان في أحزاننا
فكأن كل وجودنا أحزانُ
من أول الدمعات نحو مناحة
في أغنيات دمعها قطرانُ
وعبورنا نحو السراط بكفهم
سبحانهم، أيامهم أكفانُ !