تبدأ الخطوة الأولى إلى حضن الوطن بأول غيظ تكتمه في نفسك المهاجرة وأنت تهان من طرف عنصري في بلد إقامتك بأوروبا: Marocain pourquoi tu ne rentres pas chez toi ?
وهي العبارة التي تعني أنك وإن قضيت عشرات السنين ببلد أوروبي فإن بعضهم لا يمكن أن ينظر إليك إلا كغريب ودخيل مهما أثبتت اندماجك وأسهمت في بناء المجتمع الذي استضافك حتى لا تكون أو لا تبقى عالة عليه.
تحزم أمتعتك وأشواقك وحنينك إلى الوطن الذي بدأ يستعد لاستقبالك بتهكم وسخرية وكأنك المنبوذ مرة أخرى لكن هذه المرة في ما يفترض أنه وطنك وأرض أجدادك، فكثير من النكت والعبارات القادحة في مغاربة ما وراء البحر تنتشر كالفطر البري على مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحات بعض سياسيي آخر انتخابات الكوتا، وكثير من نظرات اقتناص مصلحة أو مبلغ مالي أو إن تعذر ذلك خطأ أو زللا لتغريمك مبالغ خيالية تجعل تندم على أم اليوم الذي فكرت فيه في قضاء عطلتك الصيفية في المغرب بدل قضائها في إسبانيا أو اليونان أو تركيا، والتي ستكلفك أقل بكثير مقارنة مع الخدمات التي تحصلت عليها في بلدك، خدمات منكوبة بأسعار خيالية تبدأ بتذاكر الطائرة أو الباخرة وتنتهي بفنجان القهوة الذي تحتسيه في مقهى هامشي بمدينتك سعره يفوق سعر فنجان قهوة في أفخم مقهى بقلب بروكسل أو باريس أو أمستردام.
أتساءل دائما عن جدوى إصرار المغاربة على الاستثمار في المغرب سواء باقتناء شقة العمر أو البيت أو تعديها إلى إقامة مشاريع كبرى ينتهي معظمها -إلا من كان ذا حظ عظيم- إلى العض على الأنامل وإعادة توجيه ما تبقى من رساميل نحو الخارج. وكأن طعنات الفأس في كبد الأرض وهي تؤسس لبنيان مرصوص توحي في نفس المهاجر لتأصيل جذوره في هوية لم يعد بمتلك منها إلا ذكرى أسباب دفعته إلى استئصالها أول مرة.
عدنا والعود أحمدي، لنكتشف مسافة السنين بيننا وبين أنفسنا، ولنكتشف الهوة التي مسحت آثار عودتنا المأمولة، والتي قد تئد حتى رغبتنا في أمنية الدفن في أرض انتسبنا إليها وما زلنا ننتسب رغم أنها أول ما رأت بعض اللحم على أكتافنا حاولت عضنا، عدنا لنؤسس مرحلة إصرار ليس على حق تصييف في شواطئ لم يعد من حقنا حتى أن نغرس فيها لسويعات شمسية نستطل تحتها ونستمتع بهدير موج، بل لنطالب بحقنا في تمثيل جاليتنا بالخارج في المجالس المغربية المقتصرة على مغاربة الداخل. لقد آن الأوان لأن نخرس الوزارات والمجالس والهيآت والمؤسسات والأحزاب التي تتاجر باسمنا، ونؤسس هيآت بديلة أصلها وفرعها نحن وممثلوها، نفتح بها أبواب البرلمان والحكومة ونسعى بها إلى تغيير الوضع المهين الذي وصل إليه المغرب عموما. آن للجالية المغربية بالخارج أن ترفع تحدي تغيير الداخل، ولزام على أولي الأمر في الداخل أن يستمعوا إلى صوتها، وإلا فما جدوى انتمائها وغيرتها على وطن لا يسمع لها ركزا.
نحن مشروع تغيير الداخل ولسنا “زماگرية”.