اللغة السائدة اليوم هي لغة اتهام القرآن. ومع احترامي الكبير للدكتور محمد الناجي إلا أن اتهامه للقرآن بأنه “نص مذكر” فيه شطط في استعمال السلطة … العقلية.
والمهم في الأمر ليس ما قاله الدكتور الناجي، لأن هذا الكلام قيل آلاف المرات بالعربية وبغير العربية. ما هو مهم هو أن هناك اليوم حملة شعواء ضد القرآن.
القضية قديمة جدا، قديمة قدم القرآن نفسه، وقد تحدث القرآن نفسه عما قيل عنه وقت نزوله. وهي تتجدد في كل وقت. وقد بدأت في الأعوام الأخيرة لكن بطريقة أكثر ذكاء وفي ظل شبه”قبول” جماعي، بسبب الاهتمام الإعلامي الواسع عالميا بما يقال ضد القرآن لا بما يقال عنه.
عندما ظهرت داعش وإرهابها قيل إن القرآن منبع الإرهاب والقتل.
وعندما قتل الإرهابيون اليزيديين في العراق قيل إن القرآن عامر بالكراهية تجاه الآخرين.
وعندما قتل قس كنيسة في فرنسا العام الماضي قيل إن القرآن يحث على قتل النصارى.
وعندما قتل يهودي في فرنسا على يد إرهابيين قيل إن القرآن يدعو إلى قتل اليهود.
وعندما بدأت ظاهرة “اللاسامية” في أوروبا وفرنسا مؤخرا قيل إن القرآن مليء بالنزعة اللاسامية، ووقع 300 فرنسي بيانا يتهم القرآن دون لف أو دوران.
وعموما اليوم نرى أن القرآن عدو للبشرية.
نحن نفكر بالركن الأيسر من عقولنا وندع الركن الأيمن يرتاح.
عندما تتحدث عن اليهود والصهيونية يقال لك: قف، فإن اليهودية ليست هي الصهيونية.
يستطيعون التمييز بين اليهودية والصهيونية لكنهم يعجزون عن ذلك مع القرآن والناس. رغم أن الصهيونية ما هي سوى القراءة السياسية القومية للتوراة والتلمود. نجحت الصهيونية بذكاء “خارق” ينطلي على الأغبياء في إقناع الناس بالتمييز بينها وبين اليهودية، أي بفصل نفسها عن الكتاب، رغم أنها من الكتاب خرجت.
أما القول بأن القرآن “نص مذكر” فهذا ليس كلاما في القرآن. هذا كلام في الألوهية. محتواه أن الله رب عنصري.
إنها الفلسفة التي يقف عليها مفهوم “الديانات التوحيدية” العامر بالتناقضات، لأن القول بوجود أكثر من دين توحيدي يتناقض مع التوحيد علميا. وهي الفلسفة التي تريد تقريب الإسلام من اليهودية. فإذا كان رب التوراة عنصريا، لم لا يكون رب القرآن عنصريا هو كذلك؟. إنه عنصري تجاه اليهود، وعنصري تجاه النصارى، وعنصري تجاه المرأة، وعنصري تجاه الذين لا دين لهم. فكيف يُعبد رب عنصري؟.
يفترض بأي باحث مثقف أن يفكر أيضا بالركن الأيمن. لا توجد ثقافة أكثر ذكورية في العالم اليوم ـ ومنذ عشرات القرون ـ كالثقافة الغربية. لا يحدث امتهان لكرامة المرأة كما يحدث ذلك في أوروبا، رغم المظاهر البرانية الخادعة. صناعة السينما كلها صناعة ذكورية. لنعد إلى شهادات الممثلين والممثلات في هوليود لكي نعرف الحقيقة. لا يسمح لأي فيلم بالخروج إلى السوق إن لم يتضمن مشاهد تكون فيها المرأة أداة جنسية في يد الممثل، ولكنه الفن، وكأن المرأة لديها فرجان، فرج للتمثيل وفرج آخر لزوجها. صناعة البورنو ولدت في الغرب وانتشرت إلى العالم بفعل السيطرة الغربية، ولا يوجد عمل حيواني في تاريخ البشرية منذ العصر الحجري كهذه الصناعة. وهي اليوم تدر من الربح المادي أكثر مما تدره تجارة السلاح والمخدرات في العالم. وهذا حسب مجلة “الإيكونوميست” البريطانية المعروفة بمصداقيتها، والتي تقرأها تيريزا ماي قبل أن تفطر. وتقول المجلة ـ التي نشرت تقريرا غير مسبوق في عدة صفحات قبل عامين ـ إن تجارة البورنو في أوروبا لا يمكن لأي جهة حكومية مهما كانت قوتها أن تقف ضدها. أليس هذا هو التوحش نفسه الذي تمارسه داعش؟ لماذا يتحدث الغرب عن جهاد النكاح ولا يتحدث عن تجارة النكاح؟.
كتبت مرة عن الباحث التونسي عبد المجيد الشرفي: إنه يدخل من باب الإصلاح الديني ويخرج من باب يؤدي إلى خارج الدين. عوض أن يدخل مباشرة في الموضوع يصنع كما يصنع الخطيب الأطرش، يخوض في الحديث عن ضرورة التجديد والإصلاح ثم ينتهي في الأخير إلى القول بأن القرآن تجاوزه الزمن. فلماذا الثرثرة؟.
إنه حالنا اليوم.