أيمن، تلميذ عُرف بين زملائه بصمته وشروده الدائمين، فما أن يستكين في مكان ما حتى يسافر إلى عوالم الخيال .. الممكن والمحال .. وكانت حصة مادة اللغة العربية من بين أفضل المواد لديه، حيث يتاح له فيها أن يصالح نفسه، وأن يذهب به خياله بعيدا، غير أنه لم يعلم أن خياله سيصبح يوما ما حقيقة .. فبينما كان جالسا أمام بيته مستمتعا بأشعة الشمس الدافئة، وقفت سيارة سوداء اللون في الجهة المقابلة من الشارع، ونزل منها رجلان قويا البنية، وتقدما نحوه، وكلما اقتربا منه ازدادت قوة رائحة مألوفة لديه لم يستطع فك شفراتها، لما أصابه من خوف وهلع منهما. أراد الهرب فلم يستطع، فقد تمكنت منه القبضة القوية لأحدهما، فأخذاه إلى السيارة التي انطلقت بسرعة البرق. أراد الصراخ ولكن منظر الطريق الذي سلكته السيارة أنسته الخطف، إذ لم يسبق له أن رأى هذه الأشجار الغريبة الشكل، وهذه الجداول الجارية والمختلفة الألوان … بل هذه الرائحة التي شمها في المختطفين، والتي لا تزال قوتها تزداد كلما تقدمت السيارة. خفت سرعة السيارة فنظر أيمن من النافذة فرأى قصرا عجيبا، جدرانه من الكعك، دخلت إليه السيارة، فازدادت دهشته فحديقة القصر تحيط بها أشجار مورقة بالفطائر، وأرضها تكسوها أعشاب من العلكة، وشلالين متدفقين؛ الأول: بالشوكولا، والثاني: بالكريما، أثارا فضوله وأراد أن يتذوق منهما فانسل من بين يدي المختطفين متجها نحو نهر الكريما، فتذكر مصدر الرائحة التي شمها في الرجلين، فعلا إنها رائحة الكريما اللذيذة. أحس أيمن بالجوع الشديد فمد يده إلى إحدى الفطائر فقضمها قضمة الجائع، فأحس بألم شديد لم يعلم مصدره، إلا بعد أن سمع الجرس إيذانا بانقضاء زمن حصة مادة اللغة العربية، ليكتشف أنه قضم أصبعه، ويكتشف معه أنه سافر به خياله إلى عوالم بعيدة.