الوحش الكاسر، هكذا وصفته .. فقد عانت معه طويلا إلى أن جعل من المستشفى بيتها الثاني، حيث ترقد والدتها، إنه المرض الذي أصاب والدتها، وجعل من وردة حياتها وردة جفت سيقانها، وذبلت أوراقها، وزالت نظارتها، أمام عينيها وهي مكتوفة الأيدي، آملة في غد أفضل. إنها الثالثة صباحا .. دخل الطبيب مبتسما ومستفسرا : لِمَ كل هذا القلق ؟ إنها بخير وستكون بحال أفضل حالما نجري لها عملية جراحية قد تنقد حياتها.. دب القليل من الأمل إلى الفتاة، سرعان ما انطفأت شمعته وهي على باب غرفة العمليات تنتظر انتهاء العملية. دقائق معدودة وباب الغرفة يفتح ويخرخ الطبيب متأسفا، ثم قال : آسف فقد … لم يتمم كلامه حتى قاطعته الفتاة قائلة : أعلم أنه فاز، إننا خسرنا المعركة، لقد فاز الوحش.. الحزن والدموع والحرقة الشديدة وإحساس بالضعف.. وأسئلة لم تجد لمن توجهها؛ إلى ظلها متخيلة فيه صورة الوحش.. أيها الوحش، لقد رأيتك تنخر جسدها حتى وصلت بها إلى الحضيض، فنزلت علي كالصاعقة بل زلزال دمر كل ما هو جميل في حياتي. لماذا اخترت هذا الوقت بالذات؟ لقد كنت أطمح أن أعيش معها أكثر حتى تراني أتقلد أعلى المناصب، وتشهد زواجي، وتحمل أبنائي، وتسمع منهم كلمة لطالما حلمت بسماعها، “جدتي”، فجأة بدون سابق إنذار اقتحمت حياتنا لتأخذها بغتة، لِمَ كل هذه القسوة ؟ أجاب الظل بعجرفة : تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، سفن أسدلت أشرعتها، بعدما قال الموت كلمته الأخيرة، قضاء محتوم ولا اعتراض على قضاء الله وقدره.