لم تدرك المؤسسات الرسمية المغربية أن الاستثمار في أبناء الجالية المغربية بالخارج روحيا وثقافيا هو أعظم استثمار وأضمنه، أما التعامل معهم كمورد فقط للعملة الصعبة وكصوت انتخابي موسمي ليبقى الجهلة في السلطة (وأقصد المناصب الدينية والدنيوية التي تخص الجالية بشكل مباشر) فهو رهان خاسر، أعطى ثماره حين أصبح المغاربة في أوروبا على قوائم التطرف والإرهاب، وأصبحت أعداد كبيرة منهم عالة على الدول الأوروبية وصيدا سهلا لكل فكر هدام.
يكفي أن تقابل مسؤولا مغربيا سواء في الداخل المغربي أو الخارج، وزيرا كان أو موظفا ساميا في السلك الديبلوماسي أو رئيس مؤسسة يفترض أنها أنشئت بأموال دافعي الضرائب المغاربة لخدمتهم روحيا أو ماديا، لتلمس أن جميعهم تخرجوا -أو معظمهم- من مدرسة النفاق، لماذا النفاق لأنهم جميعهم يقابلونك بالابتسامة العريضة وكأس الشاي المعتق والأحضان المفتوحة، ليتحولوا أول ما تصل معهم إلى بيت القصيد بالتلكئ واختلاق صفة قلة اليد والحيلة وعدم توفر الإمكانيات لتوفير أقل مطلب لخدمة العمل الثقافي الجاد في أرض المهجر ولو بشكل رمزي، وهذا ما لا نراه مع الأنشطة الثقافية المائعة التي تصرف عليها هذه المؤسسات نفسها الأموال الطائلة والتي تذهب سدى ودون أي بصمة حضارية بأوروبا كسهرات الشطيح والرديح، ومسرحيات الخوا الخاوي وحفلات القفطان المغربي الذي انحط ذوقه إلى أسفل مستوى، وليالي الكسكس إلخ إلخ..
في مثل هذه “الجبهات الثقافية” نجد المال العام المغربي يتدفق يمنة ويسرة دون حسيب ولا رقيب، ونجد خلالها لا نقول أشباه المثقفين بل أشباه المواطنين يتصدرون المشهد تحت مرأى ومسمع هؤلاء الموظفين الساميين الذين يبدو أنهم يفضلون هذه “الثقافة المسخ” لأنها تصادف هوى في أنفسهم، أنفسهم التي يتأكد يوما فيوما أنها تعاف تفشي الفكر والشعر والأدب والفن الراقي في أوساط الجالية، وكأنهم لا يريدون من هذه الجالية أن تترقى ثقافيا فتبقى لعبة في أيديهم ومنفذا لسياستهم البائسة.
ما نريد نشره نحن هو ثقافة بناء الذات المهجرية الواثقة من نفسها ومن أهمية تواجدها في أوروبا بالنسبة لأوروبا نفسها وبالنسبة للمغرب أيضا، ليس كرافد اقتصادي فقط أو سياحي، بل كامتداد هوياتي أصيل يعبر عن حضارته التي حمل في كنفه إلى ما وراء البحار، حضارته التي تجعله يتعامل مع أي مسؤول مغربي هنا بأوروبا مهما علا شأنه كموظف في خدمة الجالية وليس العكس، فمن يا ترى الآن يخاف من مقدم الحومة والشيخ والقايد والباشا وزيد وزيد إلا من سفه نفسه.
دعوتي الصريحة لمثقفي أوروبا هي تشكيل جبهة واعية بدورها الحضاري، وبما أن السفارات والقنصليات والمؤسسات الدينية والدنيوية والوزارات المنشأة خصيصا لنا تقول لنا بصريح العبارة أنه “ما فيدهاش”، وأنها ليست مخولة أصلا للقيام بأي مشروع ثقافي يخص المغاربة، فدعوتي هي الالتفاف حول الرابطة الأوروعربية للثقافة والفن المتمركزة حتى الآن في خمس دول أوروبية، لفضح هؤلاء المسؤولين “مساكين اللي ماعارفينش اصلا علاش هوما هنا الى مقادين يديرو والو”، والبحث عن جهات بديلة لها تؤمن بنا وبمشاريعنا، وإن لم نجد فلنرفع في وجه الجميع وخاصة في وجه المؤسسات المغربية العاجزة شعار: “يا وحدنا!”.