حين يحوم الموت حول رؤوسنا، وتغفو سحب الخيبة في أعيننا
لا نكون بحاجة لأحد من رجال الدين حتى يوقف أمطار الهزيمة التي تتساقط بغزارة وتُغرق جذوع شراييننا وتجرفها إلى أعتاب تلك اللحظة المجنونة !! والتي مرارا تتخطف قيعان أفكارنا.
لم يكن إلا واحدا من مئاتٍ يقفون في ذلك الطابور اللعين، الذي يطهو العزيز على صخرة الحاجة !!
– هل من العدل أن نقف على أصابع هذه البقعة من الأرض ،
وهي تبتلع كهولة خطواتنا البائسة، وتفرش أمامنا متسعا من العمر للعذاب ،
يا إلهي كيف نستطيع أن نصمت إلى هذا الحد، الذي يجعلنا نرى كل تلك الأعين المتنصتة وهي تقف خلف العتمة وكأننا لم نرَ شيئا.
أليست هذه الأصابع التي نقف عليها
هي أعواد ثقابها ،
ومرارا تنفث دخان كرامتنا وانكسارنا لتستنشقه تلك الأنوف الممتلئة برغبة الحريق .
: – يا الله انظر لكل هذه الخيام
– التي نصبها تصحر الإنسانية –
وهي تغرس أضلاعها المنهكة على رمال الحاجة ،
حتى اصفرّ لونها وانحنت ظهورها
من كل تلك القصور المشيّدة فوق رؤوسها .!!!
كثيرا ما كانت تحتد برأسه جدلية الحيرة وتعاقب فصول الأسى
فينبجس برأسه ألف سؤال
-كيف للأيام أن تتواطأ مع كل هذه القسوة وتتلذذ بتعذيبنا
وتهشّمنا بلا رحمة وكأننا زجاجات ويسكي محرمة !!
شعر بيد أحدهم وهي تتراخى عليه
أحسّ وكأنها جذع تينٍ شوكي قد ربّت على كتفه وأوقف نزيف ذاكرته لبُرهة ،
نهض وهو ينفض الرمل الذي علق بثيابه ، استدار قليلا
لتقع عيناه على جسدٍ ارتطمت به كل ألوان الوجع، وعينين مشْرعة أبوابها تكتظ فيهما آلآف الأحزان الظامئة
– : دورك الآن،
أسْرع قبل أن تُثار الفوضى فتعود يحمل جسدك قطرات الدماء المتطايرة، أو أن شلال الدم يحمل جسدك المسجى !! .
اتسعت ثقوب ذاكرته إلى ذلك الحد الذي جعل السماء تتساقط كسفا فوق جسده المبعثر ،
فغر فاهه مبتلعا ما سمع ودونما كلمة
أخذ يسير خلف ظله، الذي يشعر وكأنه رصيف يأوي إليه الهاربون من أوجاع الحياة ؛
تعثر كثيرا بتلك الأجساد الصغيرة المتهالكة من قسوة الحرارة وخنجر الحاجة ؛
وفي كل مرة كان ينتزع ظله !! من فوقها يشعر كم تواطأت الشمس مع العتمة وألقت بهم كأحجارٍ تحمل الأرض فوقها ،
حبس أنفاسه بشدة ليتدارك بقاياهُ !!،
انتزع من جيبه بطاقة حمراء
فاساقط بصره المثقل بالأسى والمطبق بالليل ليقرأ
( اللجنة الدولية للصليب الأحمر )
فرّت تنهيدة حبلى بالأحزان ،
:- أيهما أشدّ كفرا يا الله ؟ ..