فنجان قهوة وسيجارة – د. جميلة الكجك

0
1004

– أعدي لي فنجان قهوة ثم أكملي نومك، فنومك أو صحوك أصبح لدي سيان. كل ما أريده الآن فنجان قهوة وسيجارة، أهذا كثير علي؟
– أتدري كم الساعة الآن؟!
– الواحدة والنصف صباحا، وما المشكلة في ذلك!
– لا مشكلة سوى أنك قد احتسيت حتى الآن ما يزيد عن عشرة فناجين ودخنت ما دخنت من سجائر منذ غياب الشمس وحتى الآن وأنت مريض، جسمك لن يحتمل كل هذا حتى أنني لأظن أن ما يسري في شرايينك لم يعد هموجلوبينا بل كفايين خالصا.
– وهل تهتمين لما يسري في دمي! أنت مشغولة عني. بكل شيء إلا ما يخصني.
– وهل تهتم أنت لي؟ كل ليلة تسمع الأخبار ذاتها على كل محطات التلفزة العربية والأجنية، المدبلجة والمترجمة من كل لغات الكون.
– أريد أن أفهم ما يحدث في هذا العالم الذي نعيش فيه. ألست فردا منه؟
– بالتأكيد، لكنني كلما سألتك عما يحدث لا تجبني إلا بأنك لا تعلم أو أنك قد نسيت. فما فائدة ما تسمع؟!
– لم أنس لأن بذاكرتي خلل ما بل لأن الأخبار متناقضة والتحليلات إن بدأت من أقصى اليمين انتهت إلى أقصى اليسار، وصناعة الخبر الكاذب والصور الملفقة لها أهلها الذين يحسنون صنعها حتى لتبدو حقيقية صادقة.
– أنت بهذا تعيش في عالم وهمي من صناعتهم ولا تعيش واقعك كما يجب وتخسر صحتك بإصرارك على التسمر أمام هذا الجهاز الذي يمتص طاقتك ويؤثر على حيويتك. أتدري أنني إذ أشاركك الجلوس لا أعيش مع إنسان بل مع جهاز يتلقى الصدمات لترتد منه إلي وأنا لا ذنب لي إلا أنني زوجتك.
– الأفضل أن تعودي إلى سريرك وتريحي رأسك ورأسي من صداع لا يليق بك ولا بي.
توجهت إلى سريرها وهي تلعن اليوم الذي قبلت الاقتران به. خلعت خاتم زواجها كما تفعل كل ليلة لتنام متخففة من حمل ثقيل على صدرها، وضعت الخاتم على “الكمودينو” بجانبها وهي تحدث نفسها أن لا بد من فراقهما هذه المرة فقط طفح الكيل، وازداد الثقل أضعافا مضاعفة. تمددت على السرير وهي تتخيل نفسها أمام القاضي تطلب منه أن يطلقها من مدمن الأخبار ذاك، حاولت أن تستحضر كل الأدلة والبراهين على بطلان زواجهما، على أسانيد شرعية تبيح لها الطلاق دون تأجيل، تستجمع في ذهنها كم تبقى معها من مدخرات لترد له المؤخر وفوقه المهر وثمن ما دفع من أثاث وما اشترى لها من هدايا.. حتى أخذتها سنة من النوم لتصحو على صوت حشرجة وكحة ويد تمتد إليها طالبة العون ووجه مزرق، جن جنونها وبدأت تضربه على ظهره ثم تحاول أن تسقيه بعض جرعات من الماء لكنها بدل أن تدخل جوفه تتساقط من حول فمه، هرولت نحو الهاتف طلبت من تمكنت من الإتصال بهم جاء الجميع لكنه وحده لم يعد. عاشت أوائل أيام غيابه مصدومة، مذهولة لا تصدق ما حدث. طلب منها الأهل والمعارف بعد أشهر العدة أن تخلع خاتم زواجها من يدها فالرجل قد مات وانتهت بموته علاقة الزواج بينها وبينه شرعا، فلم الإحتفاظ به، فردت بقولها: لا تطلبوا مني ذلك فأنا تزوجته الآن.. سأمضي بقية حياتي أمام التلفاز أسمع الأخبار، ولن أنام قبل الثانية صباحا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here