تأملات قرآنية في سورة المسد ــ محمود عبد الخالق عطية

0
1115

 قال المفسرون أن عم الرسول صلى الله عليه وسلم عبد العزى تكلم عنه القرآن بكنيته أبي لهب، وذلك لأن وجهه كان مشرقا. وهذا لا يتماشى مع جو السورة.. لأن الله تعالى يذكره هنا في مقام الذم لا المدح، فلا يتحدث عنه إلا بأسوء الصفات. والمتأمل يجد أن الله تعالى فعلا قد تحدث عنه بأخبث وأبشع الكنى. إذاً أبو لهب معناه هو الذي ينفخ في النار ليتصاعد منها اللهب، والمعنى المقصود ليس هو النفخ المادي في النار المادية، إنما المولى عز وجل يتحدث عن الذي يمشي بين الناس ليشعل نار الحرب، ويؤجج الخلافات.. إذاً فليس المعني هو عم الرسول فحسب، إنما الآية تحمل معنى العموم لكل من يوجِد الخلافات ويشعلها بكلامه وأفعاله. فما معنى: وامرأته حمالة الحطب ؟ وفقاً لهذا المنحى فالمعنى وامرأته هي من توقد النار، وتأتي بمادة الإشعال فلا تخمد النار أبدا. إذاً هي مثله بل أزيد منه، لأنها هي التي تأتي بمادة الإشعال… وقد أشار إلى هذا المعنى أو قريبا منه الباحث بسام جرار.. إذاً فالآية تشير إلى تلك المرأة، وإلى غيرها من النساء اللاتي هن على شاكلتها في إيقاد نار الخلافات، والتسبب في قيام التنازع، والتناحر بين الناس. إذاً تلك الآيات تتكلم عن إيقاد وإشعال للنار المعنوية لا الحسية من بث الفتن، وإشاعة الكذب بين الناس، فتنشأ الخلافات والمشاكل كالطلاق والحروب وغيرها… وحيث أنه في يوم القيامة ستنقلب الموازين فيصبح المتحرك ساكنا والساكن متحركا .. يقول تعالى: “وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب”؛  والمعنى ( على خلاف ماهو معروف ) أنه في يوم القيامة ستتحول الجبال من حالتها الموجودة عليها في الدنيا، وهي الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية، مصداقا لقوله تعالى : “وتكون الجبال كالعهن المنفوش” .. إذاً ففي يوم القيامة ستتحول تلك النار المعنوية، والتي أوقدتها تلك المرأة ومن هن على شاكلتها ستتحول إلى نار مادية حقيقية تصلاها رغما عنها وهي مقيدة بالسلاسل والحبال، في حين أنها كانت توقد تلك النار في الدنيا بكامل إرادتها وهي حرة طليقة…. والمتتبع لأحوالنا وواقعنا المعاصر يجد أن أبا لهب وامرأته كثر.. ولكن هنا يثار سؤال : فالمتتبع لكلمات القرآن يجد أن الله تعالى يتكلم عن المرأة باسم الزوجة عندما يكون هناك توافق بين الرجل وزوجه، ويتكلم عنها باسم المرأة لما يكون هناك تنافر بينهما، فيقول تعالى في حال عدم التوافق : “وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامراة لوط” .. أما في التوافق يقول : “ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة”.. وغيرها؛ فلِمَ عبّر الله تعالى هنا بلفظة “وامرأته” مع أنه هناك توافق بين أبي لهب وامرأته في الصفات والكفر والكراهية للإسلام ورسوله ؟ والاجابة والله تعالى أعلم أن هذا يشير الى أن كل رجل وامرأته خارج نطاق الإيمان، وخارج دائرة الإسلام إنما هم يعيشون في شقاق دائم وتنازع وصراع.. ومن هنا نشأت تلك النظريات التي مصدرها الغرب العلماني الملحد، من أمثال نظريات التمركز حول الذات، والتمركز حول الأنثى. ونظريات الأحادية، والثنائية الصلبة، ومصطلح الجندرية، والدعوات المنادية بتأنيث اللغات بل وتأنيث الذات الإلهية. فان تلك النظريات ما هي إلا تعبير عن واقع يعيشه أصحابها. فتجد أن العلاقة بين الزوج وزوجه في تلك البلدان بعيدة كل البعد عن العلاقات الأسرية، والزوجية التي أساسها الرحمة والمودة والسكن واللباس. فكل منهما يريد أن يسيطر على الآخر، بل يريد أن يقضي عليه تماما… هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here