3 ــ الأحداث :
ـ الجزء ٦ :
يسرد هذا الجزء نقل البطل إلى المحكمة الابتدائية وسط استمرار الترهيب والإهانات، حيث تُكرر السلطات تلفيق تهم “الانتماء لجماعة محظورة” و”الإخلال بالنظام العام” رغم غياب أي أدلة. يُجبر على توقيع محاضر اعتراف مزيفة للمرة الثانية، بينما تُظهر جروح يديه (من حرق السجائر) أدلة التعذيب الواضحة. في المشهد الأبرز، يُواجه البطل الوكيل العام للملك محاولاً تفنيد التهم، لكن النظام القضائي يثبت فساده عبر رفض الاستماع لأي دفاع، والاكتفاء بـ”الإجراءات الشكلية” كالتوقيع على الأوراق.
خلال النقل إلى المحكمة، تظهر لمحة إنسانية نادرة من شرطي يُخفف قيود الأصفاد عن البطل سرّاً، في تناقض صارخ مع وحشية النظام. في قبو المحكمة، يلتقي البطل بمعتقلين من الفصيل اليساري (الذين يُعانون نفس المصير)، ليكتشف أن القمع لا يفرق بين الإيديولوجيات، وأن الجميع ضحايا آلة واحدة.
تنتهي الأحداث بتحول البطل إلى رمز للمقاومة السلمية داخل الزنزانة، حيث يرفع مع آخرين أناشيدَ إسلاميةً ويهتفون ضد الظلم، في إشارة إلى أن الوحدة في مواجهة القمع أصبحت السلاح الوحيد الباقي. الرواية هنا تطرح سؤالاً مأساويّاً :
كيف يُحاكَم الإنسان أمام نظامٍ هو نفسه الجلاد ؟
الإجابة تتجلى في صمت البطل الأخير وهو يُعيد توقيع الاعتراف المزيف، ليس لأنه اقتنع، بل لأنه أدرك أن “العدالة” مجرد مسرحية تُدار من خلف الكواليس.
ـ الجزء ٧ :
في هذا الجزء يسرد الكاتب واقعة نقله إلى سجن وجدة المدنيّ، حيث تبدأ رحلة جديدة من الإذلال والانهيار. تُستبدل هويته برقم، ويُجرد من كل ممتلكاته الشخصية، حتى ساعته التي يحاول إخفاءها داخل سرواله. يُلقى به في زنزانة مكتظة بالسجناء، تملؤها روائح العفن والمخدرات الرخيصة، حيث يُصبح الواقع الجديد مزيجاً من الفوضى واليأس. السجن يُوصف كفضاء قاسٍ: جدران صدئة، أبواب حديدية ضخمة، وحراس يتعاملون مع السجناء كـ”سلع فاسدة”.
يتفاجأ البطل باختلاف واقع السجون المغربية عن الصورة النمطية التي شاهدها في الأفلام، فالحياة هنا تسير بقوانين الغاب : سجناء يتعاطون المخدرات علانية، وصراعات على أدنى مقومات الحياة، وغياب تام للخصوصية. يُلاحظ كيف يُصبح “التعوّد على القمع” جزءاً من الروتين اليومي، بينما تُختزل الكرامة الإنسانية في توقيع محاضر مزيفة وقبول مصيرٍ مُظلم.
الرمزية الأبرز هنا هي تحول المدينة التي أحبها البطل (وجدة) إلى سجن كبير، حيث تذوب ذكريات الحرية في ضباب اليأس. المشهد الأخير يُظهر البطل وهو يُقذف في زنزانة مُغلقة بالدخان الكثيف، وكأنه يدخل عالماً موازياً تُحكمه قواعد لا يفهمها إلا من فقد كل أمل.
ـ الجزء ٨ :
يغوص البطل في تفاصيل الحياة القاسية داخل زنزانة السجن، حيث تتحكم قواعد غير مكتوبة في توزيع المساحات الضيقة. تُقسَّم أرضية الزنزانة الإسمنتية إلى “رخامات” (بلاطات) تُعتبر وحدة قياس للمكانة والبقاء؛ يمتلك كبار السجناء عدة رخامات، بينما يُحشر الباقون في طوابق مُتداخلة كالأسماك في علبة. الدخان الكثيف من الحشيش والقنب يملأ الجو، مُخلفاً غشاوة على الواقع، بينما تُنتهك أبسط حقوق النظافة والخصوصية.
يُظهر “عمر” (كابتن الزنزانة) لمحة إنسانية بترتيب فرصة للاستحمام للبطل وصديقه، لكن هذه اللفتة لا تُخفي وحشية النظام : الماء الساخن الوحيد المتاح، والحمام المتسخ الذي يشبه القبر. المشهد يُجسِّد التناقض بين محاولة الحفاظ على الذات وسط بيئة تُحطم الكرامة، حيث حتى غسل الملابس يصبح تحدياً أمام البرد والقذارة.
هذا الجزء يُبرز كيف يتحول الإنسان إلى رقم في معادلة قاسية، حيث القهر اليومي يُطفئ الأمل، ويبقى التحدي الوحيد هو الحفاظ على ذرة من الإنسانية وسط العفن.
ـ الجزء ٩ :
تتعمق معاناة البطل داخل السجن، حيث يكتشف أن الحياة خلف القضبان تحكمها قوانين قاسية تكرس اللا إنسانية. تبدأ اليوميات الروتينية بوقفة صباحية مهينة أمام الحراس، تليها وجبة إفطار بائسة من عدس مليء بالحصى وخبز صلب يُشبه الحجر، بينما يتحول “الشاي” إلى سائلٍ رمادي يُذكر بمرارة الحرمان. تطفو على السطح تفاصيل مُرعبة: قمل ضخم يتسلل إلى الملابس، ومراحيض مُقزِّزة تفتقر لأبسط شروط النظافة، وصراصير تُشارك السجناء فضاءهم الضيق.
يفتضح النظام الطبقي داخل السجن : نزلاء “الزنازين الفاخرة” (كبار المجرمين أو أصحاب النفوذ) يعيشون في غرف مُؤثثة، بينما يُحشر الباقون في عنابر مكتظة تُشبه قبوراً جماعية. تظهر شبكات الفساد جليّاً عبر تهريب المخدرات بمساعدة حراس متواطئين، واستغلال القُصّر (سجناء أحداث) في أعمال مُشينة كالاستغلال الجنسي أو تجارة الحشيش.
بينما يحاول البطل الحفاظ على بقايا وعيه، يدرك أن السجن ليس مكاناً للعقاب فحسب، بل آلة لطحن الروح تحت شعار : “الكل هنا مجرم… حتى الضحايا”.
ـ الجزء ١٠ :
يعيش البطل أياماً قاتمة في زنزانة مكتظة بالسجناء المنغمسين في المخدرات والعنف، حيث تُحكَم الحياة بقوانين الغاب. تتصاعد معاناته مع وجبات الطعام الفاسدة (عدس مليء بالحصى، خبز صلب)، وانتشار القمل والصراصير، ومراحيض مُقزِّزة. يُجسد السجن نظاماً طبقيّاً قاسياً: نزلاء “الزنازين الفاخرة” (أثرياء أو أصحاب نفوذ) يعيشون بترف نسبي، بينما يُحشر الباقون في فضاءات ضيقة تُدار بوحشية “كبار السجناء” مثل “زركيط” الذي يستغل القُصّر جنسيّاً أو في تهريب المخدرات.
وسط هذا الجحيم، يجد البطل عزاءه الوحيد في كتابة الشعر، حيث ينظم قصيدة : “رحاب يوسف” التي تُعبِّر عن صموده أمام الظلم، مستلهماً قصة النبي يوسف كرمز للصبر في مواجهة السجن التعسفي. تطفو على السطح لحظة أمل خاطفة حين يُنقل هو ومجموعة من السجناء السياسيين إلى زنزانة منفصلة، لكن الواقع يُثبت أن التغيير شكليٌّ، فالجدران تبقى هي هي، والحراس نفسهم، والفساد مستمر.
يُختتم الجزء بإحساسٍ مرير : السجن ليس مكاناً للعقاب فحسب، بل آلة لسحق الإنسان، حيث حتى “الخلاص” المؤقت مجرد وهمٍ في دائرة مفرغة.