اِعلم يا رعاك الله، أن ما من كسب أصله حرام أو شبهة، إنما هو سخط من الله وليس برضى، حتى وإن ازداد وازداد، فمصيره وإياك الزوال والهلاك، وبعدها سوف تلقى الله على ما مت عليه، فماذا سوف تقول لله حينها؟! فحذار من الوقوع في الكسب الحرام، فقد قال الله تعالى: “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ”، فقد يكون النعيم الذي أنت فيه ليس إلا استدراجا من الله لك، لتزداد في طغيانك وأكل السحت لا أكثر، فلتراجع نفسك وحساباتك قبل أن يتحقق قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ”، فليس كل غنى نعمة، بل هناك ما هو نقمة في الدنيا قبل الآخرة، وليدرك فقير المال بأن الفقر الحقيقي؛ إنما هو فقر الدين والنفس والعفة والقناعة، فلو فكر وتدبر كل واحد منا في النعم التي لا تحصى من نظر وعقل وإحساس وتنفس وصحة في الدين والبدن…، لعرف أن فقر المال قد يكون نعمة، أجل؛ نعمة إذا أدرك الواحد أن هذا هو قدر الله، وأن هذه سنة الله في خلقه، فمن كان يؤمن بالقدر خيره وشره، لا يضره شيء من لوثات الدنيا، بل يظل راضيا مرتضيا قانعا بأن ما هو فيه نعمة بل نعمة كبيرة، لإيمانه بأن هناك ربا يدرك أين يكون الخير لعبده، فمنهم من يكون قلة المال خير له ولأهله، ومنهم العكس، وفي الحالتين لا بد من الرضا بقدر الله وترتيبه، واعلم أن هناك من يزيده الله من نعم الدنيا لاستدراجه نحو الهاوية لا أكثر، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، فليرض كل بما قسمه الله له، واعلموا أننا في دار عبور لا أكثر، فمن ملك قوت يومه -من الحديث- كأنما ملك الدنيا بما فيها، فابتسم وافرح يا من قست عليك الدنيا، فلم تقسو عليك إلا لرحمة من الله لك، فاحمد الله وتوكل عليه فهو حسبك، فإن كنت قد توكلت على الله حق التوكل، فأنت جعلت الله وكيلا عليك وأمورك، فلن يضرك الله ولن يخذلك، فهو أعلم بحاجتك منك، فارض وعش كما أمرك الله؛ فلن ينساك ولن يضرك.