حوار مع الشاعرة المغربية خديجة الحمراني __ ذ. نصر سيوب / د. فاطمة الديبي

0
117

 

ــ “مَــــــنْ أكـــــون”:

خديجة الحمراني: ولدت بمدبنة آسفي حاضرة المحيط الاطلسي سنة 1963، وترعرعت هناك حتى حصولي على الباكالوريا الأدبية، فكانت الرحلة للعاصمة المرابطية مراكش حيث الكلية ولأن أسرتي انتقلت للعيش في مدينة أكادير جوهرة الجنوب المغربي. غير هذه التنقلات كان لمحطات أخرى تأثير في حياتي وهي محطات تكوينية، أنا درست الباكالوريا كتلميذة في مادة الأدب واللغة العربية لأختي البكر الأستاذة زهرة الحمراني، وبعد البيت كان التكوين يستمر في المدرسة وفي الطريق إليها، ثم الأندية السينمائية والعمل الجمعوي، إذ كنت وأنا لا أزال تلميذة أنخرط مجانا في عمليات إعطاء دروس خصوصية في الفرنسية، وورشات شخصية مصغرة في الابداع الشعري بالفرنسية، كوسيلة لتعليم الأصغر مني اللغة التي كنت أحب.. أساتذة كثيرون أيضا أدين لهم بما أنا عليه الآن، من أساتذة الفلسفة والاجنماعيات والعربية والفرنسية، وأشكرهم هنا من هذا المنبر..
حصلت على الإجازة في اللغة الفرنسية وآدابها، ثم دبلوم المدرسة العليا للأساتذة، وأدرّس الفرنسية في سلك الثانوي التأهيلي. وَلجتُ الكتابة من باب القراءة والمطالعة، حيث كان التحفيز على حب الكتاب وحب الأدب والشعر منذ الطفولة في البيت والمدرسة، فجاءت الكتابة تتويجا لتجربة قراءة تغتني يوما عن يوم وما تزال. كتابة الشعر بدأت منذ السبعينات(1975) لكن بدأت أقرأ وأُعْرَف بموهبتي، وأتلقى انطباعات أصدقائي وأنا في الكلية في الثمانينات(1983)، زيادة على إصراري على تقوية موهبتي بالتكوين المستمر في إطار ورشات حتى صرت خديجة الحمراني الماثلة بين أيديكم.

 

ــ ديواني “راعية الصمت”:

” راعية الصمت” يختزل سنوات من التجارب المتنوعة، من الاشتغال على أشكال ومواضيع شعرية أو حياتية، تبدأ من تكريم الجذور والهوية والطفولة والذاكرة، مروراً بتجربة الكتابة كموضوع لبعض أشعاري، ثم التفكير في وظيفة الشاعر بين ضرورة تفاعله مع محيطه كذات اجتماعية، أو تركيزه على أحاسيسه كذات إبداعية، دون إغفال التوقف على تجاربي العاطفية كامرأة شرقية وعربية ومسلمة، وصولاً إلى الحلم؛ الحلم بالحرية، وحلم كل مبدع يضع من بين هواجسه ترك بصمة ولو متواضعة في إحدى صفحات كتاب التاريخ الأدبي الكبير.

 

ــ “أن تكون شاعرا في كل شيء”:

بينما يتحدث الشخص العادي حديثا عادياً بكلام عادي؛ يُدندن الشاعر كلماته، يُدَوْزنها، كأنه يعزف ويتأكد من موسيقية كلماته، لأنه إنسان مختلف، مرهف في تعامله مع كل أشياء العالم، لاقط لكل تجليات الجمال في أشياء العالم المحيط به، لحد أنه يضفي حتى على الحزن أو القبح صفة الجمال، من خلال نظرته وتناوله والاشتغال عليه، ليصير موضوع أشعاره كما يشتغل النحات على الطين لتولد بين يديه أجمل التحف وأكثرها شاعرية. وينطبق هذا أيضاً حتى على علاقات الشاعر الإنسانية، علاقاته الاجتماعية، وحتى علاقته بالأمكنة، إذ يعطيها أبعاداً تربطها بوقائع وذكريات وروائح وصور تصبح حين اعتكافه للكتابة مصدر غذاء لصوره وأفكاره.

ــ “أنــا والبحـــر”:

البحر فيه حريتي والكثير مما يلهمني، وكله أسرار، وفضاء للتفكر في الخلق. ومادمنا نتحدث عن الإبداع والخلق؛ فالبحر هو الفضاء الأرحب بالنسبة لي، لاحتواء عاداتي وتأطيرها، فتصير خلاقة. أمام البحر – وأنا ولدت وترعرعت وأعيش في حضنه- تتحول الوحدة لوكر/ خلية إبداع منفتحة على عالمي الداخلي، حيث أُخَزن انطباعاتي وفلسفتي حول العالم الخارجي فيحصل التفاعل وتخرج القصيدة. أحيانا أفقد أدواتي أمام مشهد غروب، أو رحلات الأمواج اللامنتهية فتولد قصيدة متكاملة يصعب علي التدخل فيها، لكن أحيانا أخرى ألجأ للبحر بحثاً عن موضوع إنساني لا يمنحني استعاراته إلا صوت البحر ورائحته وطعمه. وبالتالي فقصائدي التي شهد البحر ولادتها كثيرة في كل دواويني وخاصة “راعية الصمت”.

 

ــ “كيف انكتب نصي الأول”:

لا أومن بكتابة تأتي من فراغ دون التشبع بتجارب القراءة، وهذا ما تعلمته في البيت أولا، حيث كنت محاطة بالكتب ومحط تتبع الأسرة، ثم المدرسة حيث الجوائز المحفزة على المضي في النجاح. ومع القراءة يتشكل الحلم والرغبة بالتشبه بكل هؤلاء الكتاب المنارات الفكرية التي اخترقت القرون والعصور لتصل لنا من خلال الحرف المبدع. هكذا ولدت أولى قصائدي ولاقت في البيت والمدرسة والكلية استحسانا كبيراً إلى أن قسْتُ قوتها مع بدء انخراطي في المواقع الرقمية الفرنسية والبلجيكية، حيت لا قيت إقبالا كبيراً وتشجيعاً على النشر كما في الفايسبوك حيث الاحتكاك بأدبائنا وكتابنا، وأصدقائي وتشجيعاتهم، وكذا تشجيع زوجي وعائلتي بصفتهم أول من يقرأ لي، ودعواتهم لكي لا تبقى أشعاري حبيسة صفحات المواقع.

 

ــ “عملية الخلق ولحظة الإبداع”:

منذ البدء كنت كلما أكتب أجدني كتبت شعراً، في آذاني موسيقى تحكم وتدقق في موسيقية ما أكتب. هل أقول كما يقول الشاعر نور الدين قبة أنها حالة شعرية؟ ربما، وهذا ما يشبه أحيانا هجمة عفوية وشرسة من الوحي أو الإلهام، تقطع علي فرجتي، أو راحتي أو نومي، لأكتب ما تُمليه. كما أن هناك أماكن وحالات تولد لدي الرغبة في الإبداع بهذه الطريقة التي يسميها نور الدين قبة بصدق “جدبة”، البحر مثلاً، والعزلة، أو الوحدة، أحيانا تكون لحظة قراءة أو استماع لشيء مميز..
لكن أكثر من نصف كتاباتي اشتغال واعٍ على المواضيع، على اللغة، بحث حثيث في البيان والموسيقى، للتعبير عن ذاتي، أو على الذوات الأخرى التي أنا صوتها ولسان حالها، وهذا في كل الحالات سواء الفرح، أو الحزن، والألم، أو الغضب، أو الحب، أو الاحتفالية … فالشاعر المبدع هو الذي ينجح في تطويع اللغة، والبيان، والصورة، والقافية، والموسيقى لخدمة الكتابة الشعرية في كل حالة من حالاته. فمتى تأتى له ذلك يصبح قادراً على خلق هذه الحالات/العوالم المستقلة من الأحاسيس، وإشراك القارئ في الإبحار معه فيها.

 

ــ “إكسير كتابتي الشعرية”:

لو حددت إكسيراً واحداً أَخشى أن أَحُدّ من حريتي في التعامل مع الحالات المتعددة، ومن شاعرية الأماكن التي تستطيع في أي لحظة الانقضاض على الشاعر، وتخضعه لرغبة الكتابة الجارفة، أو للحظة الإبداع المتفجر. لذلك سأعود وأتحدث عن التطويع؛ تطويع اللحظة والمكان، وحتى الحالة، الوحدة القاتلة منبع للكتابة، كما الصخب، كما البحر، كما الذكرى، كما العطر، كما الموسيقى أو القراءة.

 

ــ “الأصول الفكرية لإبداعي”:

هنا سأربط مرة أخرى القدرة الإبداعية بالقراءة، وأنا بحكم تكويني الفرنسي، وكون أغلب قراءاتي وضعتني في عوالم تمتاز بحرية أكثر، في التصور، والتصوير، والتعبير. لكني قرأت أيضاً بالعربية وما أزال، نهلت من نصوص القرآن، ومن أمهات الروايات، والدواوين العربية، من القديم إلى الحديث. وكل هذا يغني الشاعر ويلهب قريحته.

 

ــ “ماذا أعطاني الشعر”:

سأقول أن الشعر أعطاني أغلى ما يطمح له الكاتب؛ الحرية، الإحساس بالحرية، والكتابة والتعبير بحرية، وهذا يظهر في تناولي للكثير من المواضيع وحتى شكل القصيدة. الشعر كما سبق وقلت هو أوكسجين بالنسبة لي، أتنفس شعراً، وأخطو شعراً، ولديّ شيء من الحساسية تجعلني أحاول التقاط اللحظات الشعرية والشاعرية في كل ما أقرأ ولو نثراً وباللغتين. من جهة أخرى، برأيي أن الشعر، شعري أيضاً، يمكنه أن يعبر عن الذاتي، والمعيشي، والسياسي، والوطني، والقومي، والثقافي، لكن دون أن يخرج عن نطاق الشعر كصنف أدبي له مقوماته التي تميزه عن المقالة السياسية والنقدية…

 

ــ ” قول الروائي والقاص المغربي أحمد بوزفور أن المشهد الثقافي العام في المغرب (مخجل ومخز)”:

أجد كلام الأستاذ الكبير أحمد بوزفور كلام مثقف غيور على وضعية الثقافة عموما، ووضعية القراءة والكتاب في بلده، وهو الأدرى بهذه القضية، فالأديب الغيور يطمح دائماً للأفضل، ولا يهلّ ويطبّل للإنجازات الصغيرة، بل يحثّ دائماً على الأفضل، لكن لا ننكر أن التواصل في السنين الأخيرة فتح آفاقاً كبيرة للقراءة، ومن تم لانتشار الكتاب المغربي، والدليل كثرة الإصدارات لأدباء وجامعيين مغاربة في المطابع المغربية والعربية وحتى الجامعية، فكيف لا يكون حضور للكتاب المغربي في الخزانات العربية إلا إذا كان هذا تقصيراً في حقه؟

ــ “تــرجمــة الشعــر”:

الكل يعرف أن تجربة الترجمة مغامرة كبيرة، لكن الشعر أيضاً مغامرة، وهذا ما جعلني أخوض غمار ترجمة ديوان شعر، ليس بالسهل التعاطي معه كقارئ وبالأحرى كمترجم، لأنه شعر فلسفي، وأعني بذلك ديوان الشاعر الفيلسوف الدكتور إبراهيم بورشاشن الموسوم بـ”الطين المسجور”. صحيح أن الترجمة كما يقال، وكما لاحظ الأديب المصطفى الكليتي في مداخلته لتقديم الديوان كانت “خيانة جميلة”، فأهم مقوم للكتابة الشعرية هو الجمالية، لكن الأهم كانت رحلة البحث في المفاهيم، وفي الفلسفة، وفي التصور الشخصي للشاعر حتى لا تتوه الترجمة عن روح القصيدة الأصل. فترجمة الشعر ممكنة إذا توفر شرط المعرفة عامة، أحيانا يقتضى الأمر اكتساب المعرفة الموسوعية للإلمام بروح القصيدة الفلسفية، لكن يبقى لزوم كون المترجم شاعراً يمتلك حساسية الشاعر، وأدوات الشاعر أمر مفروض.

ــ “أََعَزّ نص شعري”:

يسعدني أن أتقاسم معكم جوهرة الديوان، قصيدة “راعية الصمت” التي أعطته عنوانه : La bergère du silence
La bergère du silence
J’adore la profondeur et l’ampleur du silence !
Quand il me ceint l’ouïe d’une aura de mystère,
Le vide devient musique et avale les misères
Des heures sans parfums et des fades ambiances.
Je voudrais embrasser les déserts aériens,
Rejoindre les nuages cotonneux et légers,
Voler au ciel bleu ses hauteurs et sa paix
Et m’en faire une paire d’ailes de blanc vélin.
Epouser du silence la transe et les rythmiques,
N’entendre que le chant des vents dans les vallées,
Percevoir de la brise les venues et allers
Sur les flans séduisants de montagnes mystiques.
J’aimerais bien devenir la bergère du silence,
En saisir la jouissance dans ses moments magiques
D’absence d’assonances phoniques ou symphoniques
Cherchant l’harmonie loin des tumultueuses nuisances.
Mon troupeau serait fait de brassées de mutisme,
De belles touffes tressées de lumière et de calme
Que la tranquillité éloigne du vacarme
Des bêlements sonores ignares des aphorismes.
Ma flûte traversière mieux que celle de Pan
Fera vibrer le vent traversier, et ma lyre
Composera des chants avec les fins murmures
Du zéphyr alizé célébrant les amants.
Khadija, Agadir, Samedi 06/10/12 à 21h46.

ــ “قصائدي والسيرة الذاتية”:

في كل قصيدة لي بعض من روحي وأنفاسي، رغم أنني لا أوافق على قراءة الإبداع كسيرة ذاتية لأي شاعر إذا لم يصرح هو بذلك، فانتظار كهذا من الشعر ينفي عنه تعددية المعنى، وعن القارئ حرية التأويل والقراءة. القصيدتين التين أقرأهما كلما عدت لديواني هذا هما: “راعية الصمت” و”L’éternelle nomade”
ÉTERNELLE NOMADE:

Les routes me convoitent et les mâts
Leur silence est comme mon destin
Je nomadise au gré des chemins
Et ma patrie est l’aventure
Ma trajectoire est celle du vent
Et le silence mon sanctuaire
Ma peur est de l’anonymat
Comme celle de ces morts intestats
Ou celle des charnelles tentations
Malgré l’ivresse de mes passions.

Le ciel aussi me convoite tant
J’aspire aux nuages et au ciel
Et mon cœur, cet oiseau sans ailes
Qui prend l’envol malgré le poids
De l’âge et de mes longs voyages,
Me fait tressaillir de la rage
De ne pouvoir ôter le voile
De la pudeur qui ferre mes ailes
Pour rejoindre le septième ciel
Moi, petite nomade éternelle.

,Agadir, Dimanche 06/5/2012

ــ “بين العربية والفرنسية”:

في هذه الحالة بالذات، سأتحدث عما أسميناه سابقاً الحالة الشعرية، أو كما يسميها الشاعر نور الدين قبة “الجدبة” أو “الهجمة”؛ تنتابني أحيان كثيرة رغبة في الكتابة باللغة العربية التي أعشقها وأقرأ بها كثيراً، فأستجيب. لكن قليلة هي القصائد التي كَتبتُ بالعربية، رغم الإقبال الذي لاقته. لذلك سأقول أنني أميل للكتابة أكثر بالفرنسية أولاً..

ــ “الصداقة، شقيق الروح، الوطن، الموت”:

الصداقة من بين أعظم أغذية الروح. شقيق الروح؛ شاعر رقيق عاشق للكلمة الجميلة وللصداقة الصادقة وكل حروفه من نور. الوطن حبي الأكبر. الموت؛ عدالة الله في الأرض ومجسّ الإيمان.

ــ “قصيدتي المستحيلة”:

مادمت في بحث دائم عن الأفضل والأجود فلن أجزم ماهي قصيدتي المستحيلة، أما الأقرب إلى قلبي فهي كثير ومنها قصيدة كتبتها عن والدي المغفور له وهي تفتتح ديواني راعية الصمت، وأخرى كتبتها عن الكتابة بعنوان: . Ascension

 

ــ “آمالي وطموحاتي”:

في الرد على هذا السؤال بالذات ستجيب لا فرق بين خديجة الحمراني الإنسانة والشاعرة؛ الآمال والطموحات واحد، وهي الحلم بعالم يسوده الأمن، والسلام، والحرية، والانفتاح، والتطور المستمر في كل المجالات خصوصا العلمية والفكرية.

 

ــ “هــوايــتــــــي”:

هوايتي أجدها في كل ما فيه خلق وإبداع، لكن هوايتي الرئيسية هي القراءة والقراءة ثم القراءة..

ذ. نصر سيوب _ د. فاطمة الديبي
ذ. نصر سيوب _ د. فاطمة الديبي

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here