قاص من الجزائر
تقف عند نافذة عيادة طبيب الحي، ترقب حركاته، ومعاملته القاسية لمرضاه كأنّه رجل حرب، أو ديكتاتور جبّار.
تعجبها الدمية الخشبية الجالسة في خزانته بين كتب الطب المتراصة، تبتسم لبسمتها المسبقة. كانت جميلة جدا، ترتدي مئزرا أبيض ونظارة وردية وعلى رقبتها سماعة لقياس النبض.. وحذاء يبدو أنه لا يحدث قرعا يطرد سِنَةً أو نوماً عن سقيم ..
يزعجه طول وقوفها ومراقبتها لما يفعل وبسمتها لدميته التي تكاد تفقه ما تريد ومما تتألم..!
يأمر الممرض بطردها عدة مرات لكنها تعود لتعيد لقطتها بعناية شديدة كأنها خبيرة تمثيل.
يسألها عما تريد لكنها لا تجيبه رغم أن على صفحة وجهها الجميل أسئلة حائرة..!
في غفلة منهما، وبعد خلو العيادة من المرضى تسللت إليها وأخذت الدمية وهربت، لكنهما لحقا بها وطرقا بابها ودخلا ليجدا الطفلة وأختها المعاقة وأمهما على حصيرٍ ميتة والدمية عند رأسها وبلباسها الرسمي..!
قالت (المعاقة) -وقد أجهشت بالبكاء-:
– أمي ماتت بعد ألم شديد، كانت تعاني من مرض خطير لا نعرفه.. يا طبيب الحي.
لماذا لم تأت لتكشف عليها.. لماذا؟ !
حاولت الطفلة إسكاتها بلغة الإشارة، فهي لم تنطق بكلمة منذ أن ولدت وقد أنفق أبوها الكثير على علاجها قبل موته.
بكيا بشدة وانصرفا صاغرين، وندما على غفلتهما الإنسانية في فوضى الحواس والترف.
كان مشهدا مهيبا وحزينا يلفه فقر المكان.
ذاع الخبر في المدينة الغافلة، تجمع مراسلو ومصورو القنوات التلفزية المستنسخة ليأخذوا مشاهد تكون مادة دسمة لبرامجهم الراكدة.
لكن الصغيرة لم تأبه لحركاتهم وابتساماتهم الكاذبة .
جمعت دمى صديقاتها الخشبية، والدمية الطبية لتكون جنازة أمها مهيبة، ولتسعفها عند نقطة النهاية.. !