في استجواب للإعلامية “إيمان أغوتان” تحدثت عن الطوندونس المغربي،فكان كلامها نقطة وقوف بالنسبة لي لتأمل الواقع المعيش داخل مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب.
مما لا مراء فيه أننا نعيش ونعاني من وخزات وغصص تجعلنا نمقت النظام المسير ونتجاوزه لبغض الوطن وكرهه، فالأعطاب تتخلل جل المجالات وشتى مناحي الحياة، بدءا من التسيير والحكم مرورا بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وانتهاء بمصرع المجال الفني والثقافي على سبيل المجاز، إذ لا انتهاء مما يعانيه المغرب أو بالأحرى المغاربة؛ بيد أننا نجد وطنيين كثرا ينتقدون ما تتخبط فيه المجالات الآنفة الذكر من مشاكل كتفشي البطالة وانتشار الإجرام وضعف التعليم واندثار الثقافة وعدم تفعيل القوانين وعجز الخدمات الطبية.. وهلم جرا مما لاحصر ولا نهاية له.
لكن من يتحدث عن العالم الافتراضي وتبعاته، عالم مواقع التواصل الاجتماعي ومضاعفاته؟!
من المعلوم أن العولمة والتكنولوجيا اكتسحتا دول العالم كافة والمغرب لم يكن بمعزل عن هذا؛ فشهدت الآلات الصناعية تطورا وتصاعدا مذهلين، وغدت الهواتف إدمانا يتصدر قائمة المخدرات بامتياز، وقد أسهمت الهواتف الذكية بدور فعال في تفعيل مواقع التواصل الاجتماعي وإشهارها كي يبلغ صيتها ويذاع لمختلف الأقطاب الأرضية، ومن ثم أصبح العالم الافتراضي سوق عمل وامتهان ببلدنا المغرب، وغدا يشكل سوق عكاظ المغرب. ولا يؤيد عاقل أن العمل عيب، لكن ما هي مقومات العمل أو المهنة!
ورد في معجم الوسيط أن العمل يحتاج لخبرة ومهارة وحنق بممارسته، فأنى نطبق هذه المعايير على الراقصات والراقصين في موقع“tik tok” ، بل وكيف نعممها على أصحاب وصاحبات روتيني اليومي الذي يعج بكم هائل من الميوعة والانحلال الأخلاقي، وأنى تطبق هذه المعايير على أصحاب التقاط الفضائح؟ واللائحة تطول من قبيل المهن المبتذلة في الآونة الأخيرة والتي أُدرجها ضمن آفات العصر.
في بلدنا غدا الفنان محبوبا ومثيرا للانتباه جراء كثرة عدد حالاته على مواقع التواصل الاجتماعي وسرد أسرار حياته الشخصية والعائلية، لا لفنه ومحتواه الإبداعي.
إن الطوندونس المغربي سهل جدا ومقزز جدا، ويتمظهر في صور مختلفة، من قبيل اختلاق مشكل عائلي وافتعال دموع واهية وبسطها على شكل فيديو أمام الملأ، التبادل بالقصف أو السب والشتم مع أحدهم عبر صفقة مخفية، الرقص والغناء الفاحشين، سرد وتصوير تفاصيل يومية لا تسمن ولا تغني من جوع..
فمن أجل جلب المال بطريقة سهلة نظريا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي؛ بُسطت الأعراض، كُشفت عورات الزوجات والأخوات، خُنث الذكور، فُسدت الفتيات، كُشفت أسرار البيوت..
أليس من المحزن أن يكون حلم مراهق هو حصوله على قناة بها عدد كبير من المتابعين؛ كي يرفل في عيش الشهرة دون أدنى أبه بما ستكلفه وما ستنتزع منه! أليس من المخزي أن يكون طموح فتاة هو كثرة الإعجابات بفيديوهاتها وهي ترقص كي تثبت للملأ أنها جميلة ورشيقة وتستحق الشهرة!
أو ليس من العار أن نرى زوجين يسردان حياتهما الزوجية بكل جرأة ووقاحة ضاربين القيم الثقافية المغربية عرض الحائط!
أو ليس من المؤلم أن نرى براءة الأطفال تُغتصب وتُستغل بطريقة وقحة من أجل تسلق سلم الطوندونس الهش الذي من الممكن أن يسقط في أي لحظة!
أو ليس من المؤسف أن يصور المواطن حادثة اغتصاب أو قتل.. عوض الدفاع عن الضحية!
هذا هو الطوندونس المغربي في أبشع تجلياته؛ الذي بات يشن موجة ضارية ضد المبادئ والقيم الأخلاقية، بل والأدهى من ذلك أنه يشكل غزوا غير مباشر ضد العقل البشري كي ينقضّ على التفكير الإنساني.
إن الطوندونس المغربي ليس بمثابة غسيل للدماغ فحسب بل يتعداه ليمحو الذهن والفكر أساسا.
العالم الافتراضي عالم بلا دستور ولا قوانين، عندما يسيء استخدامه الجاهلون، بهذا التعبير تكثر الجرائم ضد النفس بالدرجة الأولى وضد الغير بالدرجة الثانية.
داخل هذه الملامح الجديدة الافتراضية التي ارتسمت على خارطة المغرب يجدر بنا التساؤل عن مصير الكتب، الرسم، النقش، الشعر، التصوير.. هذه الإبداعات الفنية التي ترتقي إلى الجمال والكمال وتسمو بالخيال إلى الخلق والإبداع، ألا تستحق أن تكون هي موضوع الطوندونس المغربي!؟
ألا يستحق المغرب أن يبني جيلا واعيا بفكره، مثقفا بمعارفه وقيمه، مسالما بروحه يرقى عن كل دنيء خسيس؟
عين صواب. أتفق معك وأتمنى ان ترقى عقول المغاربة الى مستوى أعلى للأننا فعلا نستحق الافضل و نستحق جيل واعي ومتقف..