“يوميات من قريتنا الحبيبة أبو سكين :
ذكرياتي مع ليلة (الغطاس)” :
في قريتنا الحبيبة – أبو سكين – كانت يوجد أسرة مسيحية واحدة ( أسرة أبو عزيز )، مكونة من الأب مرزوق عوض وزوجته بنورة وابنهما الوحيد عزيز.
وهم جيران لنا، وتربطهم علاقة قوية مع كل أهل القرية بلا استثناء، ومشاركة فعالة حقيقية، وفي المعاملات لا تشعر بأي خصوصية في الظاهر، ونقترض من بعض ونهدي ونتبادل الأشياء هكذا ٠٠
وكان عزيز متفوقا في الدراسة وقد دخل كلية الصيدلة، ويجيد فن الملاكمة، وكنا نلعب كرة قدم مع بعض ٠
وترجع جذور عمي مرزوق إلى صعيد مصر ” سوهاج ” ٠
وسكن في بيت عمي الريس عبد الواحد غزالة ، وكان بائع أقمشة متجول في القرى، الكل يعرفه ويتعامل معه ٠٠
وكنا نشاهده ونحن أطفال منذ المرحلة الابتدائية يحمل البؤجة على كتفه في الصباح الباكر ويعلقها في المتر الخشبي على كتفه ٠٠
ومن الطريف كانت زوجة عمي مرزوق لا تنجب لفترة طويلة، فنذرت لو حملت ورُزقت بمولود سوف تصوم نصف شهر رمضان كل عام معنا ٠٠
وحدث بالفعل حيث كانت تراجع الطبيب عزيز سوريال غبريال في بلطيم البرلس – والذي كتب تقرير موت الشاعر صالح الشرنوبي – وتيمنا به أطلقت اسم عزيز على مولودها الوحيد وواصلت الصوم ٠٠
حيث كنا نقف أمام المسجد الوحيد بقريتنا لنشاهد ونسمع عمي يحيى أبو إسماعيل غزالة مؤذن القرية وهو يصعد سطح المسجد قبل الكهرباء وبناء الأدوار العليا فكانت البيوت طابقا واحدا ٠٠
وكان المؤذن طويلا ونحيفا وصوته العذب الندي الشجي ولونه الأسمر، فالجميع يشبهه بسيدنا ( بلال الحبشي – رحمه الله ) ٠
ويقف معنا عزيز وبعد أن يتشاهد المؤذن نهرول جميعا إلى البيت الكل فرحا مسرورا ٠٠ كي نخبر الأسرة :
نعم لقد تشاهد المؤذن.
ويخبر عزيز أمه الصائمة لتفطر وهما معها أيضا.
وكانت تصنع الكعك في العيد وتهدينا، الجيران يقولون كعك وبسكويت أم عزيز ٠٠
وكان عزيز يحفظ نصوص دينية من القرآن الكريم، ويقلد صوت الشيخ عنتر، ويحضر سرادق العزاء ودفن الموتى، وكان خطه جميلا ٠٠ الخ.
* نعود إلى ليلة الغطاس :
والقرية تتكلم جميعا ( أبو عزيز سيغطس الليلة !! ) ٠
ونحن لا نعلم معنى الغطاس.
وكان خلف منزل أبي عزيز ترعة ( المسقى ) وقد تسمى بها برنا في القرية حيث كانت تسقي أكثر من ٣٠٠ ثلاثمائة فدان.
ويدعو أهل القرية أن السماء تمطر علشان أبو عزيز يغطس الليلة.
ونسأل الكبار يقولون هيستحمى في المسقى بالليل..
ونقابل عمي أبو عزيز أنت هتغطس الليلة ٠٠.
يضحك ويقول تعالوا اتفرجوا ٠٠
وكنت أقول لأمي أبقي صحيني بالليل الساعة ١٢ علشان أشوف أبو عزيز وهو بيغطس..
ونتفق مع بعض واحنا راجعين من المدرسة علشان نشوف أبو عزيز ٠٠
وتمر الأيام و تتوفى أم عزيز ويتخرج عزيز في كلية الصيدلة، ويتزوج وينجب ٣ ثلاث بنات، و يفتح صيدلية بسوهاج ويعيش هناك ٠٠
ويرفض عمي مرزوق الانتقال معه..
ويظل معنا في وسطنا لأنه واحد مننا الجميع أهله وعشرة عمر..
ويزوره عزيز ويزورنا فردا فردا ٠٠
وذات مرة أخذ والده بعد وفات أمه في سيارته الفيات الحمراء إلى سوهاج، والكل حزن بانتقال أبي عزيز من القرية إلى الصعيد..
ولم يتأقلم هناك فرجع بعد بضعة شهور..
وظل في بيت عمي خليفة عبد المجيد حتى تقدم به السن ومرض والجميع يقوم على خدمته..
وفي النهاية يأتي الدكتور عزيز ويأخذ والده بلا عودة..
ويموت أبو عزيز وعزيز الذي أنجب بنات، وتنقطع العلاقة حتى الآن..
هذه يوميات من قريتنا الحبيبة أبو سكين وذكريات الغطاس ٠٠
ومن المعلوم أن الغطاس هو عيد أقباط مصر الأرثوذكس.