“حبي الأول..رواية حب تحت ظلال ملحمة مأساوية..” :
سحر خليفة روائية فلسطينية من مواليد نابلس، قامت بتأليف عشر روايات كان آخرها رواية حبي الأول؛ الصادرة عن دار الآداب بيروت عام ٢٠١٠ .
تتحدث الرواية عن المرحلة الزمنية التي شهدت بدء نشوء المقاومة الفلسطينية الشعبية ضد الاحتلال الصهيوني. كما شملت المرحلة التي استرجعت فيها ذكريات طفولتها ومراهقتها، والتي أظن أنها كانت تتراوح ما بين عام 2005 وما بعد.
استعانت الكاتبة كما ذَكَرَتْ في إحدى مقالاتها في سرد أحداث الرواية (بحوار حرفي من أمين سر الجهاد المقدس ؛ قاسم الريماوي في مخطوط عبد القادر الحسيني ١٩٥٠) . وقد استطاعت ببراعة أن تدمج ما بين هذه المذكرات والمعلومات التاريخية، بحيث أصبح السرد نسيجاً واحداً متشابك الأطراف، وأخذت الحوارات دورها بالتأريخ بطريقة أريحية، فلم نشعر بأننا أمام تقرير تاريخي، بل عشنا التاريخ مع صناع أحداثه.
مكان الرواية كان في قرى نابلس التي تعرفها الراوية بكل تفاصيلها، فقد برعت بوصفها الدقيق بحيث استطاعت أن تجعلنا نجوب الحارات والزقاق معها وكأننا نعيش الحدث.
وأظن أنه من الطبيعي جدا لأي روائي فلسطيني أن يتناول في سرده قضية فلسطين، أو القضية الأم حسبما كانت تعتبر، أو تسمى قبل ثورة الربيع العربي المزعوم.. لهذا لا نستغرب أن تدور أحداث رواية حبي الأول للروائية الفلسطينية سحر خليفة حول هذه القضية الجوهرية.
ونلاحظ هنا أن الروائية سحر خليفة تبتعد عن المواضيع النمطية النسوية التي تتناولها معظم الروائيات، فلا نجد هنا ابتذالا جسدياً أو رومانسياً. بل نحن أمام عمل أدبي ثوري ملتزم بحت.
بدأت الروائية سردها بتعريف (نضال) بطلة الرواية وهي في سن المراهقة، والتي تماشى اسمها تماما مع أحداث المرحلة، حيث مرحلة النضال التي بدأت بعد اغتصاب الأرض والتي ما زالت مستمرة إلى الآن.. تلك الفتاة التي تعيش في نابلس وتعرف حاراتها وزقاقها شبرا شبرا. تحدثنا عن علاقتها بالريشة التي ترسم بألوانها كل ما يجول بخاطرها، فقد رسمت الجدة والدار والنهر والمرأة والطبيعة. كانوا يناضلون بالبارودة كما قالت، بينما هي سلاحها تلك الريشة التي رسمت لوحاتها، وأتاحت لها التنقل بين المعارض والأتيليهات.
هاجرت نضال الأرض كما هاجر غيرها، وها هي تعود ثانية محملة بالشوق والحنين، فلعلها تصلح ما أفسده الدهر في بيت العائلة الذي تصدعت جدرانه، وهجره الأهل والأحباب ولم يتركوا فيه سوى أشياء تنعش الذاكرة بجمالها وحزنها.
تحدثنا نضال عن بداية اشتعال شرارة حبها الأول، حين التقت بربيع لأول مرة حين أتى إلى بيت جدتها وأخذ يحدثهم عن هجوم الصهاينة على القرية. تتوالى الأحداث ويفترق كل منهما. هي تهاجر إلى الغرب لدراسة الفن وهو يهاجر إلى إحدى دول الخليج للعمل، حالهما كحال أي فلسطيني مهجر..
تتراءى الأحداث أمام ذاكرتها فينتقل بنا راوٍ آخر ليكمل الملحمة المأساوية التي خاضتها المقاومة ضد المغتصب، ومن هنا يبدأ خالها أمين بقراءة مذكراته حول تفاصيل عمليات المقاومة ضد الاحتلال.
من خلال السرد نستنتج أن الروائية سحر خليفة تحمل قلماً جريئاً، استطاع أن ينقلنا معه إلى أيام بداية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وأن يتحدث عن الخيانة العربية الكبرى بكل جرأة . كما أن الإسهاب بالشرح يوحي بأن سحر خليفة كانت حاضرة بكل حواسها في الاجتماع الذي أخذ مجراه بين القائد عبد القادر الحسيني والقادة العرب وممثلي الجامعة العربية. إنه الاجتماع الذي كان يتطلع له القائد عبد القادر حتى يتم تسليمه وجيشه الأسلحة لمحاربة المستعمرات في القدس. لم يقنع حلفاء وأصدقاء بريطانيا بأقواله ماعدا زعيمي القدس اللذين أدركا صحة كلامه.
آلمني الحوار الذي أعتبره من أهم أجزاء الرواية ، والذي دار بين القائد عبد القادر الحسيني والقادة العرب وممثلي الجامعة العربية الذين لم يحركوا ساكنا. مما أدى إلى النتائج السلبية التي أودت إلى تهجير شعب واغتصاب أرض نتيجة عدم التكافؤ بين القوى . ففي حين كانت دول عظمى كأمريكا وبريطانيا وفرنسا تقوم بتزويد الصهاينة بمستلزمات القتال عسكريا وماديا ولوجستيا، تخاذل العرب عن تقديم المساعدة في مشهد لا يختلف كثيرا عن ما هو حاصل هذه الأيام. الوجوه تبدلت والمواقف المتخاذلة بقيت دون أن تحرك ساكنا.
ومن الملاحظ أن معظم الروايات العربية مهما كان بعد الفترة الزمنية فيها عن الزمن الحاضر، تظل القضايا الجوهرية ذاتها لا تبرح مكانها. فالقضية الفلسطينية ما زالت القضية التي عجزت عن حلها كل المخططات السياسية. والخيانة العربية ما زالت تتصدر المشهد، مما يثير اليأس أحيانا.
لغة الكاتبة تتميز بالسهولة والمباشرة. لها أسلوب شيق في الوصف الدقيق، كما أنها تستخدم بعض الكلمات المحكية من اللهجة الفلسطينية وتدمجها في السرد بطريقة محببة.
السرد كان بلسان نضال كما وضحت سابقاً، ثم ما لبث أن تحول إلى لسان خالها أمين أحد المقاتلين في جيش المقاومة التي قادها القائد عبد القادر الحسيني.
تعتبر رواية حبي الأول من الروايات التي تجسد النضال الفلسطيني ضد المستعمر، والتي نتمنى أن نقرأ روايات مماثلة لها، لتظل سجلا وتأريخا لمقاومة المخلصين من هذه الأمة، خاصة بعد أن فقدنا ثقتنا بكتب التاريخ، التي كتبت لتصب في صالح كل ما لا يمت للعروبة بصلة..