تظلم – جميلة بالوالي

0
134

           وكلت مؤخرا محاميا ليدافع عني في قضية معينة .. وفوجئت به يوما بعد يوم يساند الطرف الآخر ويعينه على هضم حقوقي .. ولعل من سبق له وأن تعامل مع محام من هذا النوع الذي ليس له أي ضمير  أخلاقي أومهني ،يدرك جيدا قدرتهم العجيبة على التحايل على القانون !

           وضعت فيه كل ثقتي وزودته بكل الوثائق الضرورية التي من شأنها أن تثبت حقي .. و كنت شبه متأكدة أنه محام نزيه و أنه قادر على إنصافي خصوصا وأن قضيتي كانت واضحة لا تحتاج لعناء أو جهد . لكنني صدمت بعد حكم المحكمة أن الأمور كلها لم تكن في صالحي ..وهذا ما دفع بي إلى مطالبته برفع اليد عن ملف القضية ، ولجأت بعد ذلك لمحام آخر ففهمت أن المحامي الأول كان يساند الطرف الآخر .. والسبب واضح وضوح الشمس ” رشوة ” وطمع وجشع ! وهكذا قررت أن أكتب رسالة تظلم وأتوجه بها إلى النيابة العامة . لا بد أن أشتكي ، لا بد أن أطالب بحقوقي ،لا بد أن أصرخ في وجه الظلم.. كثير من الحقوق تضيع لأننا لا نصر على المطالبة بها.

      لكن، وأنا أكتب الرسالة كان لا بد من أن أوجز وأختصر الكلام فالنائب العام شخصية مشغولة جدا و لا يمكن ذكر كل التفاصيل .. ذلك ما فعلته بالفعل لكنني أحسست بالغبن وبأنني ينبغي أن أقول كل شيء .. فربما كان يجب أن أتطرق لقضية أخي أيضا الذي احتل المكتري محلا تجاريا خاصا به منذ عام وفي كل مرة يخبره المفوض القضائي أن تبليغه بالإفراغ قد تعذر .. وفي كل مرة يدفع مبالغ إضافية  للمحامية ولا جديد في ملفه حتى الآن .. وربما كان حري بي أيضا أن أتحدث عن سائق الطاكسي الذي أوصلني للعمل في الأسبوع الماضي فحكى لي كيف اضطر لبيع أثاث منزله ليعالج زوجته وكيف أصبح صاحب البيت يعتدي عليه بالضرب ويهينه في كل مرة أمام أطفاله ويطالبه بإفراغ البيت لأنه لم يعد قادرا على تسديد  مبلغ الكراء منذ شهرين..أو ربما كان يجدر بي أن أثير قضية سائقي الطاكسي الذين لا يتوفرون على أي تقاعد ولو بعد ثلاثين سنة من العمل كما أخبرني بذلك السائق الذي أوصلني إلى منزلي  ..  أو ربما كان الأجدر أن أخبره عن كل هؤلاء النساء المعنفات من طرف الأزواج واللاتي لا يستطعن مغادرة المنزل لأنهن غير قادرات على توفير العيش الكريم لأطفالهن لأنه لا عمل لهن ولا دخل ..أو لربما كان من الأفضل أن أعلمه بحال الضاوية عاملة النظافة  في المؤسسة التي أشتغل بها والتي تقطع مسافة طويلة مشيا على الأقدام وقد شارفت على الستين .. والتي لا تستطيع أن توكل محاميا ،بغض النظر عن كونه نزيها أم لا،ليدافع عنها وقد أصبح زوجها يهينها ويضربها في كل يوم دون مراعاة لسنها وظروفها الصحية.. أو ربما …أو ربما…أو ربما …

       فكرت في كل هذه الأمور وفي أمور أخرى كثيرة.. وبالطبع لم أستطع التطرق إليها كلها . وقلت في نفسي لعل كل هذا من اختصاص نواب الشعب في البرلمان.. لكن السؤال الذي أصبح يطرح نفسه ” إذا كان النواب يتحدثون عن هذه القضايا ويدافعون عنها لماذا الوضع متأزم و مقلق إلى هذه الدرجة ؟ و إذا كانوا لا يتطرقون لهذه الأمور ولا يدافعون عن حقوق المواطنين الذين يمثلونهم  فعن أي أمور يتحدثون وعن أي قضايا يدافعون؟ “

   



   

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here