“استشراﺀ الكورونا في الشعر الفايسبوكي” :
لا غرابة أن يكتب الشاعر المعاصر ما يشاﺀ .. في أي موضوع يريد ( ومن ذلك الكورونا ) شريطة ألا ينسى أن الشعر قبل كل شيﺀ إبداع وإحساس بلغة فنية منسجمة.
وحين أفتح الفايسبوك هربا من القنوات التلفزيونية التي صدّعت رؤوسنا بالكورونا، أطالع كثيرا من المنشورات النثرية والشعرية وموضوعها أيضا الكورونا .
وكما أنك في النثر تجد منشورات ما أنزل الله بها من سلطان ادعاﺀ وتعالما وفذلكة وتناقضا .. كذلك في الشعر : ليس كل ما ينشر يستحق أن يُقرَأ ..
وجودة الشعر لا تتحقق بدون تفعيل النقد الذي يمقته الكتّاب الناشرون .. فالناقد أمامه خياران :
تجاوز ما يقرأ حرصا على متانة العلاقة في الوسط الشعري، أو التصدي لهذا الضعف والتضحية بكل من لا يروق له النقد البنّاﺀ ..
واخترت الثاني مع الحرص على عدم التشهير فلا أذكر أسماﺀ .. إذ الغاية ليست الأشخاص .. وإنما صقل التجارب وتسليط الإضاﺀة الكاشفة على بعض النماذج في سبيل انتشال القصيدة العربية من هذا الواقع الملتبس .
أنتقل الآن إلى نص قصير مكون من أربعة أبيات فحسب يقول فيه ناظمه :
1- العلم بالصين صــــار اليوم مذموما
أما الدروب فــــــلا تودي إلى روما
2- درب النجاة لــــــزوم الدار فاســلكهُ
ولاتــجـادل بأمـــرٍ كان مـــحــتومـا
3- اذا بقيت عن الاحــــــبــاب مـبـتـعدا
تلقى الأحبّة بالأشــــــــــواق مفعوما
4- أيام تمضي .. فــلا تخشى صعوبتها
صبرا عليها ترى الكورونَ مهزوما
التعليق النقدي :
التعثرات في هذه الأبيات المحدودة عديدة :
– العلم بالصين …
المثل المشهور يقول : اطلبوا العلم ولو كان في الصين،
أقصد أن حرف الجر المناسب هنا هو ( في )، وهذه ملاحظة يسيرة.
ولكن حين يقول :
أما الدروب فلا تودي إلى روما
فالكارثة في ( تودي ) لأن المعنى صار : تميت وتهلك،
أما تؤدّي فتليين همزته يجعله : تُودّي
كما نقول ذلك في الدارجة، والكلمة المناسبة غير بعيدة، مثلا : تفضي.
– درب النجاة لزوم الدار فاسلكه
المشكلة هنا في تفعيلة العروض :
لُكْهو = فاعلْ = فعْلن
وهذه التفعيلة غير واردة في عروض البسيط التام إلا في التصريع، ولو تم تحريك الساكن ( الكاف ) لرضي الخليل عن العروض، وغضب سيبويه لأن الفعل أمر مبني على السكون .
– تلقى الأحبة بالأشواق مفعوما
أي : مفعومين بالأشواق
وهنا بالإمكان إعادة الصياغة للتخلص من هذه الركاكة على هذا النحو :
إذا بقيت عن الأحباب مبتعدا
يغدو الفؤاد بحرّ الشوق مفعوما
– ايام تمضي .. فلا تخشى صعوبتها
والتعبير هنا عليل ليس بالكورونا وإنما بالنحو ..
لأن كلمة أيام لم تنوّن للوزن فقط، ولأن الفعل ( تخشى ) مجزوم بلا الناهية ويجب حذف حرف علته، والدليل على أن الأسلوب طلبي هو الشطر الثاني المبدوﺀ بأمر : صبراً
وكذلك الفعل ( ترى ) فالأجود أن يحذف حرف علته لأنه واقع في جواب الأمر، كما قال امرؤ القيس ( لا امرؤ الفيس ) : قفا نبكِ
مع أن الأسلوب الخبري محتمل في الشطر الأول على ضعف :
أيام تمضي و لا تُخشَى صعوبتُها
كل هذه التعثرات في أربعة أبيات ..!
وحين تتأمل الأفكار لا تجد فكرة تستحق الإشادة، وحين تريد التمتع بجمال المجاز والتصوير تكتشف الطامة من مثل :
درب النجاة لزوم الدار فاسلكه …!
لزوم الدار : سكون
وسلوك الدرب : حركة
فالخيال واه مطروق تقليدي على تناقضه تناقضا لا إبداع فيه ولا شعرية .. مطلقا.
وبعد ..
فقد كنت مزمعا على الكتابة عن شاعر شهير شهير .. شدا بكلماته المطربون الكبار .. مع أنه تحت مجهر النقد عليل كليل.. فوقع بصري على هذه الأبيات فتسليت بها ابتغاﺀ تنقية الشعر من غبار الفسبكة.