أَنَا وَأَنْتِ وَمَوْطِنِي – الشاعر سعيد يعقوب

0
159

فِيْ القَلْبِ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ جِرَاحُ

لَمْ تُنْسِهَا الأَوْتَارُ وَالأَقْدَاحُ

عُمُرٌ مِنَ الظُّلُمَاتِ خُضْتَ عُبَابَهُ

وَعَلَيْكَ فِيهِ مَا أَطَلَّ صَبَاحُ

وَبَيَادِرُ الخَيْبَاتِ ضَاحِكَةٌ عَلَى

تِلْكَ الخُطَا، بَعْضُ السُّرُورِ نُوَاحُ

نَمْضِيْ وَنَتْرُكُ مَا جَنَيْنَا خَلْفَنَا

فَكَأَنَّهُ وَكَأَنَّنَا أَشْبَاحُ

أَسْرَفْتَ يَا هَذَا الزَّمَانُ بِحَرْبِنَا

فَمَتَى نُرِيحُكَ أَوْ مَتَى نَرْتَاحُ

طَالَتْ عَلَى مُوسَى الطَّرِيقُ وَأُلْقِيَتْ

مِنْ كَفِّ مُوسَى تِلْكُمُ الأَلْوَاحُ

وَالسَّامِرِيُّ يُزَوِّرُ التَّارِيخَ فِي

خُبْثٍ وَيَمَلَأُ جَانَبِيْهِ صِيَاحُ

زَمَنُ الرُّوَيْبِضِةِ الذِيْ نَحْيَا بِهِ

مَا فِيهِ لَا صُلْحٌ وَلَا إصْلَاحُ

وَحَقَائِقُ التَّارِيخِ لَمْ يَحْفِلْ بِهَا

أَحَدٌ وَكَمْ تَلْهُو بِهِنَّ رِيَاحُ

كَمْ تَاجِرٍ مِنْ بَيْعِنَا وَشِرَائِنَا

ذَهَبَتْ بِكَامِلِ عَقْلِهِ الأَرْبَاحُ

لَمْ نَشْكُ مِنْ نَزْفِ الجِرَاحِ وَكَمْ شَكَا

تَعَبا، لِطُولِ نَزِيفِهَا السَّفَاحُ

كَمْ بَيْتِ شِعْرٍ وَاضِحٍ أَنْشَدْتُهُ

تَعِبَتْ بِشَرْحِ غُمُوضِهِ الشُّرَّاحُ

مَا أَقْبَحَ الشِّعْرَ الذِي نُصْغِي لَهُ

إِنْ كَانَ يُطْلَبُ بَعْدَهُ الإِيضَاحُ

وَطَنِي الذِي شَيَّعْتُ أَحْلَامِي بِهِ

سُفُنٌ أَضَاعَ طَرِيقَهَا المَلَّاحُ

وَطَنِي الذِي غَازَلْتُ نُورَ عُيُونِهِ

مَا شَعَّ فِي جَنَبَاتِهِ مِصْبَاحُ

قُلْنَا المِلَاحُ تُذِيبُ بَعْضَ هُمُومِنَا

فَإِذَا الهُمُومُ تُثِيرُهُنًّ مِلَاحُ

فِي وَصْلِهِنَّ وَهَجْرِهِنَّ مَتَاعِبٌ

وَبِقُرْبِهِنَّ وَبُعْدِهِنَّ جِرَاحُ

وَلَكَمْ يُغِصُّكَ مَا سُرِرْتَ بِنَيْلِهِ

وَيُغِصُّ بَعْضَ الشَّارِبِينَ قَرَاحُ

إِنْ عَادَتِ الذِّكْرَى فُؤَادِي خِلْتُهُ

طَيْرًا لَهُ فِي الفَخِّ رَفَّ جَنَاحُ

بِأَبِي التِي جَاءَتْ إِلَيَّ عَشِيَّةً

فَإِذَا الظَّلَامُ مِنَ الجِبِينِ صَبَاحُ

زَهْرَاءُ هَيْفَاءُ القَوَامِ كَحِيلَةٌ

رَيَّانَةٌ نَشْوَى الخُطَا مِمْرَاحُ

تَرْنُو إِلَيْكَ بِمُقْلَةِ الرَّشَإ الذِي

أَجْفَانُهُ مَرْضَى وَهُنَّ صِحَاحُ

وَكَأَنَّ بَاسِمَ ثَغْرِهَا رَوْضٌ إِذَا

نَطَقَتْ وَأَلْفَاظَ الحَدِيثِ نُفَاحُ

قَامَتْ تُغَنِّينِي بِشِعْرِي فَالدُّجَى

فَجْرٌ وَضِيءٌ وَالمَدَى أَفْرَاحُ

مَاذَا أُحَاوِلُ بَعْدَ ذَاكَ مِنَ المُنَى

أَوَظَلَّ لِي مِنْ بَعْدِ ذَاكَ طِمَاحُ

يَا طِيبَ أَوْقَاتِ الهَنَاءَةِ وَالرِّضَا

فِي العُمْرِ لَوْلَا أَنَّهُنَّ شِحَاحُ

لَمْ أَنْسَ مَا قَالَتْهُ عِنْدَ وَدَاعِنَا

غَرِّدْ بِشِعْرِكَ أَيُّهَا الصَّدَّاحُ

شَنِّفْ مَسَامِعَنَا بَرَجْعِ لُحُونِهِ

نَحْنُ الغُوَاةُ وَمَا عَلَيْكَ جُنَاحُ

كَمْ أُمْنِيَاتٍ كَالطُّيُورِ حَبِيسَةٍ

فِي الصَّدْرِ لَمْ يُطْلَقْ لَهُنَّ سَرَاحُ

وَمُبَسْمِلٍ يَنْحُو عَلَيْكَ بِخِنْجَرٍ

وَعَلَى الذَّبِيحِ يُبَسْمِلُ الذَّبَاحُ

كَمْ طَعْنَةٍ فِيْ الظَّهْرِ غَائِرَةٍ لِمَنْ

قَدْ كُنْتَ تَحْسَبُ أَنَّهُ الجَرَّاحُ

بَاعُوكَ يَا وَطَنِي رَخِيصًا مِثْلَمَا

بِيعَتْ بِسُوقِ نِخَاسَةٍ أَرْوَاحُ

مَا عَادَ فِي أَرْضِ العُرُوبَةِ مَوْطِنٌ

إِلَّا وَتَمْلَأُ قَلْبَهُ الأَتْرَاحُ

مِلْ بِي عَلَى الأَقْصَى الأَسِيرِ نُوَاسِهِ

إِنَّ العَزَاءَ عَلَى المُصَابِ مُبَاحُ

قُلْ أَيُّهَا الفَارُوقُ لَا تَسَلِ العُلَ

عَنَّا فَلَا فَتْحٌ وَلَا مِفْتَاحُ

أَبْلِغْ صَلَاحَ الدِّينِ أَنَّا أُمَّةٌ

ذَلَّتْ إِذَا أَصْغَى إِلَيْكَ صَلَاحُ

وَلَكَمْ بَكَى مَعَنَا بِدَمْعٍ كَاذِبٍ

لَمَّا فَتَحْنَا مَأْتَمًا تِمْسَاحُ

أَزِلِ القِنَاعَ فَلَمْ تَعُدْ تَخْفَى عَلَى

شَعْبِي الوُجُوهُ وَإِنَّهُنَّ قِبَاحُ

وَانْزِلْ دِمَشْقَ الشَّامَ وَانْظُرْ حَالَهَا

فَعَلَى دِمَشْقَ مِنَ الحِدَادِ وِشَاحُ

قُمْ نَبْكِ أَهْلِيهَا وَنَنْدُبْ حَظَّهَا

إِذْ خَانَهَا أَمَلٌ وَعَزَّ نَجَاحُ

بَعْضُ التَّوَجُعِ نَجْدَةٌ لِلْمُبْتَلَى

إِذْ لَيْسَ عِنْدَكَ عُدَّةٌ وَسِلَاحُ

أَهْلُوكِ يَا شَامَ المُرُوءَةِ أَهْلُنَا

وَجُذُورُنَا إِنْ أَقْبَلُوا أَوْ رَاحُوا

عَرِّجْ عَلَى بَغْدَادَ نَنْثُرْ دَمْعَنَا

إِذْ طَابَ فِيهَا لِلْمَجُوسِ مَرَاحُ

نُذْرِي لِصَدَّامٍ أَعَزَّ مَدْامَعٍ

إِنْ هَبَّ فِينَا ذِكْرُهُ الفَوَّاحُ

صَدَّامُ يَا عِزَّ الرِّجَالِ وَفَخْرَهُمْ

دَرْبُ الشَّهَادَةِ عِزَّةٌ وَفَلَاحُ

مَا زَالَ فِي صَهْيُونَ صَوْتُكً مُرْعِدًا

شَرَفُ الخُيُولِ تَوَثُّبٌ وَجِمَاحُ

هَلْ ظَلَّ بَعْدَكَ فِيْ العُرُوبَةِ سَادَةٌ

صُرَحَاءُ فِي أَنْسَابِهِمْ أَقْحَاحُ

تُغْنِي عَنِ الشَّرْحِ الطَّوِيلِ إِشَارَةٌ

لِلْأَذْكِيَاءِ وَيُجْزِئُ الإِلْمَاحُ

خُذْنِي إِلَى اليَمَنِ الحَزِينِ فَلَمْ أُطِقْ

كَتْمَ الهَوَى إِنَّ الهَوَى فَضَّاحُ

خُذْنِي إِلَى الشَّعْبِ الأَصِيلِ فَإِنَّ بِي

شَوْقًا وَشَوْقِي نَحْوَهُ مِلْحَاحُ

خُذْنِي إِلَى الجِذْرِ العَتِيقِ فَإِنَّهُ

لَوْلَاهُ لَمْ تُزْهِرْ لَنَا أَدْوَاحُ

يَتْلُو مُسَيْلَمَةُ الدَّعِيُّ حُرُوفَهُ

فِينَا وَتَرْقُصُ لِلدَّعِيِّ سَجَاحُ

فَلَعَلَّنَا نَشْتَمُّ عِطْرَ كَرَامَةٍ

وَلَعَلَّ أَثْقَالَ الأَسَى تَنْزَاحُ

صَنْعَاءُ ذِكْرُكِ فِي الشِّفَاهِ مُقَدَّسٌ

كَمْ صَحَّ فِي إِنْشَادِهِ إِصْحَاحُ

فَمَتَى أُعَانِقُ فِيكِ بِلْقِيسِي وَهَلْ

يَوْمًا لِقَاءٌ لِلْقُلُوبِ يُتَاحُ

لَهَفِي عَلَى الشَّعْبِ العَزِيزِ تَنَكَّرَتْ

بِيدٌ لِعِزَّةِ نَفْسِهِ وَبِطَاحُ

طُفْ بِي عَلَى لِيبيَا نُضَمِّدْ جُرْحَهَا

دُونَ الجُحُودِ الكُفْرُ وَهْوَ بَوَاحُ

أَهْلِي الذِينَ تَجَرَّعُوا غُصَصَ الأَذَى

إِذْ دَبَّ فِيهِمْ لِلْكِبَاشِ نِطَاحُ

يَا لَيْتَهُمْ يَتَذَكَّرُونَ مَوَاقِفا

لِلنُّبْلِ خَلَّدهَا فِدَىً وَكِفَاحُ

لَمَّا تَصَدَّتْ لِلْغُزَاةِ جَحَافِلٌ

مِنْهَا أُهِينَ الغَاصِبُ المُجْتَاحُ

وَيُعَلِّمُ المُخْتَارُ فِيهَا شَعْبَهُ

مَا نَالَ مِنْ طِيبِ الجَنَى مُرْتَاحُ

وَالمَجْدُ لَا تَبْنِيهِ غَيْرُ سَوَاعِدٍ

لَا تَشْتَكِي تَعَبًا وَلَا تَرْتَاحُ

إِنَّ اتِّحَادَ الشَّعْبِ أَقْوَى صَخْرَةٍ

لِلضُّرِّ مِنْهَا تُكْسَرُ الأَلْوَاحُ

يَا مَنْ إِلَيْهَا الشَّوْقُ هَاجَ خِضَمُّهُ

وَالشَّوْقُ لَا وَشَلٌ وَلَا ضَحْضَاحُ

هَذِي جِرَاحِي وَالجِرَاحُ كَثِيرَةٌ

فَمَتَى تُضَمَّدُ لِلْفُؤَادِ جِرَاحُ

وَمَتَى لَنَا يَصْفُو الزَّمَانُ وَنَلْتَقِي

مِثْلَ الأَقَاحِ حَنَا عَلَيْهِ أَقَاحُ

وَأَنَا وَأَنْتِ وَمَوْطِنْي نَجْنِي المُنَى

وَيُطِلُّ مِنْ بَعْدِ الظَّلَامِ صَبَاحُ

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here