كورونا زاد التضييق على الصحافة في أوروبا – ناصر السهلي

0
212

تزامناً مع تفشي فيروس كورونا، يتعرض الصحافيون في أوروبا لمجموعة من الانتهاكات التي رصدتها مؤسسات متخصصة بينها “فريدوم هاوس” و”المعهد الدولي للصحافة” و”مراسلون بلا حدود”. يحصل ذلك تحديداً عبر تقييد الوصول إلى المعلومات والاعتداء على الصحافيين، وصولاً إلى الممارسة الأخطر، وهي تغذية نظريات المؤامرة والتضليل على حساب المعلومات الحقيقيّة والعلمية. هذا إلى جانب هجمة أجنحة اليمين المتطرف استغلالاً للجائحة وفرض “نظرية المؤامرة” باتهام لوسائل الإعلام على أنها “تضخّم” الفيروس، بالإضافة إلى محاولات الأنظمة السياسية كبح دور السلطة الرابعة، كما في قوانين بولندا والمجر استكمالاً لتقويض استقلالية سلطة القضاء للهيمنة على كل مفاصل الدولة.
وفي قراءة نسب الاستهداف في أوروبا، تعرّضت وسائل الإعلام لتقييد حق الاطلاع على معلومات، ومنع حضور فعاليات مخصصة للجائحة بنسبة 64 في المائة من مجموع حالات الانتهاكات، ما ترك برأي مراقبيها، فرصةً لأصحاب “نظرية المؤامرة” لتغذية نظريتهم بأخبار ومعلومات تعزّز معسكر اليمين المتشدد. ووفقاً للأرقام التي يسجّلها مرصد “المعهد الدولي للصحافة”، فإن مسألة تراجع الحريات ليست فقط في بولندا والتشيك والمجر وروسيا البيضاء، بل في سياق أوروبي أوسع. إذ تعرض العاملون في الصحافة لمضايقات وانتهاكات (خلال عام كورونا) على النحو التالي: 16 توقيفاً (45 في المائة من مجموع التوقيف بحجج مختلفة، بينها 22 في المائة بحجة تحقيق جنائي و20 في المائة بحجة بث أخبار زائفة). إغلاق وفرض إغلاق على 32 موقعاً، بالإضافة إلى توسع ظاهرة الاعتداء على الصحافيين (على طريقة أتباع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أثناء اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي).
والجائحة في القارة الأوروبية ليست وحدها مسؤولة عن تقييد ومركزة الإعلام، كحال المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، وإلى حد ما في كرواتيا. فإضافةً إلى أن سياسات كثيرة في شرق أوروبا باتت لا تختلف كثيراً عن تلك انتهجها رئيس روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشينكو، في مواجهة الحركة الشعبية الاحتجاجية ضد حكمه، يبدو أن ضمان حرية واستقلال وسائل الإعلام، في سياق “الاتحاد الأوروبي”، بات تحت ضغوط واضحة خلال الأشهر والأعوام الماضية. ووفقاً لأرقام “المعهد الدولي للصحافة” و”مراسلون بلا حدود” فإن أوروبا شهدت في العام الماضي 201 حالة انتهاك، بينها 103 حالات اعتداء جسدي ولفظي، وتقييد لعمل الصحافيين.
وخلال أزمة جائحة كورونا، يتبين أن اليمين القومي المتشدد، سواء الحاكم في بعض الدول، أو ذلك المتأهب أملاً في السلطة، لم يترك “السلطة الرابعة” دون اتهامات وضغوط كبيرة عليها. فالتشكيك أولاً وأخيراً هو السمة الرئيسية في استهداف الصحافة الرزينة، على الأقل من خلال اتهامات لها بأنها “تضخم خطر كورونا”، وهو ما رصد حتى في الدول الاسكندينافية، حيث شهدت وتشهد كوبنهاغن، على سبيل المثال لا الحصر كنموذج مصغر لأخرى في شمالي أوروبا، حملات منتظمة من قبل حركة اليمين المتطرف وأحزاب تطرف قومي في البرلمان، كحزبي “الشعب” و”البرجوازية الجديدة”، باتهام هيئة البث العام، وخصوصاً صحافيي التلفزيون الرسمي، دي آر، بـ”التطرف اليساري”. وامتد ذلك ليشمل، على طريقة إطلاق ترامب النار على جميع الاتجاهات، أفراد مؤسسة “بيرلنغكسا” الليبرالية، وغيرهم من صحافيي صحافة يمين الوسط، بذات التهمة. وتلك التهمة تدفع بالحزبين، وشخصيات مؤيدة في البرلمان من يمين الوسط، إلى التصويب على موازنات “دي آر” ووسائل إعلام أخرى.
في الواقع، تخشى وسائل الإعلام في أكثر من بلد أوروبي غربي، وفي دول الشمال الأكثر حماية لحرية الصحافة وتدفق المعلومات، من الضغوط الهائلة التي خلقتها أجواء كورونا لناحية زرع اليمين المشتدد، وأصحاب نظرية المؤامرة، للتشكيك بـ”مصداقية” وثقة الجمهور الأوروبي بوسائل إعلام عريقة، من خلال حملات منتظمة ومنهجية يتبعها ذلك المعسكر، تقوم بالأساس على نشر نظرية أن تلك الصحافة، التي اتخذت موقفاً صارماً من دونالد ترامب، ومعسكره الشعبوي، إنما “تنشر أخباراً مضخمة وكاذبة ومضللة عن كورونا”.
وبالإضافة إلى اسكندينافيا، فإن صحافة ووسائل إعلام ألمانيا وهولندا وفرنسا، على سبيل المثال، باتت تستشعر خطر زيادة الاستقطاب الذي يؤججه أصحاب نظرية المؤامرة والخطاب القومي المتشدد، باستعادة مشابهة للحملات التي ترافقت مع قدوم نحو مليون لاجئ إلى أوروبا في 2015، حيث ركزت على تضليل مقصود وتهويل عن خطرهم، بمشاركة ماكينة دعائية روسية من سان بطرسبرغ، كما كشفت الصحافة الأوروبية قبل أعوام.
وتجلت الحملات الجديدة مع تطور الخطاب العنصري واليميني المتشدد المرافق لكورونا، كما حدث في احتجاجات هولندا، إلى جانب استهداف جسدي ومعنوي للصحافيين، وهو ما كشفت عنه حلقة بث خاصة بملف حرية الصحافة، في سياق مشروع “نيوزروم أون ذي لاين” Newsrooms Ontheline نشرت على موقع “المعهد الدولي للصحافة” يوم 12 فبراير/شباط الحالي، سلّطت من خلالها الصحافية الهولندية المعروفة والتي تتعرض لحملة عنصرية كبيرة ضدها، كلاريس غاغارد، والصحافي ومدير مبادرة السلامة للصحافيين، بيتر فليدي، بمشاركة رئيس الاتصالات الرقمية في المعهد، خافيير لوكا، الضوء على مخاطر تنامي الخطابات الشعبوية العنصرية في الاحتجاجات الهولندية على قوانين كورونا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here