دراسة تسلط الضوء على حياة المغاربة المقدسيين في عاصمة فلسطين العامرة

0
53

أنجزت وكالة بيت مال القدس الشريف دراسة حول “مغاربة بيت المقدس”، وقالت إنها “ليست في حاجة إلى تقديمها، وتعهد بها لمؤسسة بحثية مرموقة هي الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (باسيا)، إلا للتأكيد على قيم هذا الحضور ورمزيته ودلالاته، التي تنهل من الشخصية المغربية ومن قيم أصحابها”، مضيفة أن من “حظ المغاربة أن يكونوا أقرب من غيرهم إلى القدس، عاصمة بلاد فلسطين العامرة بالرموز والدلالات الدينية والحضارية القيمة”.
الدراسة التي أنجزها الدكتور نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ بجامعة بير الزيت، تناولت “جزءا مما وثقه الرحالة والمؤرخون عن استقرار الأجناد المغاربة من الجيش الفاطمي في القدس، وعن حضور علمائهم في الحياة العلمية والفكرية في المدينة منذ المراحل الأولى للفتوحات الإسلامية من خلال رحلات طلب العلم والزيارة والمجاورة بعد أداء مناسك الحج أو قبلها”، مضيفا أنها أفردت جزءا مهما لعينة تتشكل من أزيد عن ثلاثين أسرة فلسطينية عالمة من أصل مغربي، نبغ أفرادها في مختلف الحقول المعرفية والعلمية.
ويتجلى الجديد في الدراسة التي تقدمها الوكالة في بسط جانب من أوجه حياة المغاربة في القدس تحديدا، من خلال الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة المهمة من ساكنة المدينة، مؤكدا أن فريق “باسيا” اعتمد على قوائم بأسماء وعناوين أبناء الجالية المغربية في القدس، التي حصل عليها مباشرة من مصادر محلية كمنطلق وبداية.

وهذا ملخص الدراسة:
وكالة بيت مال القدس الشريف ليست في حاجة إلى تقديم دراسة عن: “مغاربة بيت المقدس”، وتعهد بها لمؤسسة بحثية مرموقة هي الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (باسيا)، إلا للتأكيد على قيم هذا الحضور ورمزيته ودلالاته، التي تنهل من الشخصية المغربية ومن قيم أصحابها.
فمن حظ المغاربة أن يكونوا أقرب من غيرهم إلى القدس، عاصمة بلاد فلسطين العامرة بالرموز والدلالات الدينية والحضارية القيِّمة، التي أَضفت على هذه المدينة المقدسة طابعا متفردا، جعلها مثار أطماع الغزاة والمحتلين عبر التاريخ.
قُرب المغاربة من القدس ليس عنوانا لحضور ظرفي أملته الحمية والعاطفة لنصرة جيوش صلاح الدين لفتح عكَّا ومنها إلى القدس قبل ثمانية قرون، بل هو تضامن مبدئي وثابت، مُمتد في الزمان والمكان، قوامه الانتصار للحق، في ظل الحكمة، والتدبُّر والواقعية.
هذه القيم التي جُبل عليها المغاربة كرستها تقاليد عريقة في حُكم البلاد عبر الحقب والعصور إلى عهد الدولة العلوية الشريفة، التي تقوم على الاعتدال في تقدير الأمور وعلى الانفتاح والتسامح والتعايش، بوضوح ومن دون ازدواجية أو مواربة، ما أكسب مواقف هذا البلد معنى جعله محل تقدير واحترام من قِبل الأصدقاء والمناوئين.
لقد ناصر المغاربة الفاتح صلاح الدين، واستقروا على أبواب المسجد الأقصى للدفاع عن حرمات هذا المعلم الديني العظيم إلى أن استتب الأمر فانصرفوا إلى الاستزادة من المعارف والآداب وتركوا في ذلك الذكر الطيب والأثر الحسن.
وعليه، فإن هذه الدراسة تقدم جزءا مما وثقه الرحالة والمؤرخون عن استقرار الأجناد المغاربة من الجيش الفاطمي في القدس، وعن حضور علمائهم في الحياة العلمية والفكرية في المدينة منذ المراحل الأولى للفتوحات الإسلامية من خلال رحلات طلب العلم والزيارة والمجاورة بعد أداء مناسك الحج أو قبلها؛ كما سجلت دورهم في مجالات الفقه والتدريس، وفي علوم التوقيت والرياضيات والفلك، فضلا عن انخراطهم في سلك القضاء، الذي يبقى من أهم الحقول المهنية التي اشتغل بها المغاربة بالقدس.
وأفردت الدراسة جزءا مهما لعينة تتشكل من أزيد من ثلاثين أسرة فلسطينية عالمة من أصل مغربي، نبغ أفرادها في مختلف الحقول المعرفية والعلمية، ولاسيما في العلوم الشرعية والتدريس والإمامة والفلك والتوقيت وغيرها من العلوم ذات الصلة.
وقدمت بيانات مرقمة عن ازدياد الحضور المغربي في القدس منذ قيام الدولة الأيوبية، ما أضفى طابعا خاصا على جغرافية القدس وعلى توازنها الديمغرافي من خلال الإقامة الدائمة في المدينة، ردّا لجميل الاهتمام الذي خصه حكامها لهم وسهلوا انخراطهم في كافة الميادين والخدمات والأسلاك وأسندوا لهم المناصب السامية الحقيقة بهم دون غيرهم.
وقامت الدراسة، بمجهود مُعتبر، لوضع مخطط تقريبي لحارة المغاربة كما ورد في وقفية الملك الأفضل، التي تم تسجيلها سنة 666هـ/1267م، استنادا إلى المعلومات المستقاة من الوثائق والصور والخرائط من حيث الطول والعرض والقطر والشكل والحدود والأزقة، وذلك ضمن جرد مهم لأوقاف المغاربة في القدس، من حيث أماكنها وتاريخ إنشائها، فضلا عن جرد الأعيان الموقوفة.
واستعرضت الدراسة ملابسات سيطرة الاحتلال على حائط البراق بعد هدم حارة المغاربة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، ومآل سكانها وتشريد بعضهم وهجرة آخرين إلى الأردن، حيث أقاموا بزاوية مغربية بعمان، وعودة البعض الآخر إلى المغرب، فيما توزع الباقون على أحياء القدس.
كما قامت الدراسة بعمل جدي لحصر قوائم الأسر الفلسطينية من أصول مغربية رغم صعوبة العمل، وذلك في ضوء المقابلات والمعلومات المتاحة في مختلف المظان المعرفية عبر المراحل التاريخية، وهو عمل شديد الدقة والصعوبة يستند إلى ما توفر من معلومات عن شجرة العائلة، وبيان الوثائق الرسمية المتعلقة بالأنساب، التي تعود، أساسا، إلى مرحلة ما بعد الاحتلال الإفرنجي لفلسطين.
وحبذا لو كان ممكنا جمع التراث العلمي للمغاربة المقدسيين وإسهاماتهم المتنوعة في الحقول المختلفة والاستزادة مما بقي من المخطوطات الدالة على هذا التراث في القدس، أو مما تم نقله إلى الشام والحجاز والمغرب من نفائس تبرز الحضور المغربي على واجهات العلم والجهاد منذ ثورة البراق الشريف عام 1929 إلى حرب عام 1967م، وغيرها من محطات القضية الفلسطينية، التي أصبحت قضية وطنية مغربية، كما تم إقرارها غداة إحراق المسجد الأقصى المبارك 1969م.
ومن ذلك، فإن ارتباط المغاربة بالقدس تكرسه صلاتهم بالمكان وبأهله، حتى صاروا جزءا أصيلا منه ومن فضائله، ورسموا لوحات غاية في الدقة والجمال عن معالمه وزواياه وأربطته ومدارسه تشكل تراثا لا ماديا بالمدينة، لن تحجبه معاول الهدم التي أتت على حارة المغاربة، ولن تمحو من ذاكرة أهل المدينة مظاهر الحضور المغربي في أزقة وشوارع البلدة القديمة، من خلال أزيائهم المميزة، وعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة.
وقد شارك مغاربة القدس أشقاءهم أفراحهم كما اقتسموا معهم المآسي، وجاهدوا في سبيل الدفاع عن مقدسات الأمة حتى نال الكثير منهم شرف الشهادة وعانى آخرون من مآسي اللجوء والتشرد، جراء سياسة الاحتلال لمحو الوجود العربي في الأراضي الفلسطينية، وهي السياسة التي تستمر إلى يومنا هذا لتهويد القدس والإخلال بتوازنها الديمغرافي والبيئي وتغيير وضعها القانوني.
والجديد في الدراسة التي تقدمها الوكالة اليوم للمهتمين عن “مغاربة بيت المقدس” يتجلى في بسط جانب من أوجه حياتهم في القدس تحديدا، من خلال الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة المهمة من ساكنة المدينة، سواء من خلال منهجية استمارة المعلومات التي أعدتها “باسيا”، وطلبت من مائة أسرة من أصول مغربية الإجابة عن أسلتها لهذا الغرض، أو من خلال أسلوب العينة المرجعية المتسلسلة لتحديد مجال الدراسة.
واعتمد فريق “باسيا” على قوائم بأسماء وعناوين أبناء الجالية المغربية في القدس، التي حصل عليها مباشرة من مصادر محلية كمنطلق وبداية، ثم طُلب من كل فرد مذكور في القائمة أن يرشد ويدل على بقية أفراد عائلته وأقاربه ومعارفه من أصول مغربية، وهو الأمر الذي مكن فريق البحث من الوصول إلى نتائج إيجابية يمكن أن تشكل، مستقبلا، أرضية إضافية لدراسة معمقة.
ويفيد تحليل بيانات الاستمارة بأن العينة المستجوبة تشكلت في غالبيتها من الذكور بنسبة 93 في المائة، بينما لم تتجاوز فئة الإناث 7 في المائة، وذلك لاعتبارات عديدة منها التحفظ وظروف الحياة والتنقل في القدس، وعلى الخصوص في البلدة القديمة، التي ينتمي إليها 21 في المائة من المستجوبين، بينما يتوزع 79 في المائة على أحياء شعفاط وبيت حنينا والطور وراس العمود وكفر عقب، ما يؤكد ما جاء في هذه الدراسة من نزوح عدد من العائلات المغربية من القدس القديمة إلى الضواحي.
واشتملت عينة الدراسة على فئات عمرية مختلفة؛ حيث لم يتجاوز الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة نسبة 1 في المائة من عينة الدراسة، بينما بلغت 24 في المائة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و40 سنة. أما الذين تتراوح أعمارهم ما بين 41 و65 سنة فشكلت نسبتهم 54 في المائة، فيما شكلت نسبة من تزيد أعمارهم عن 65 سنة نسبة 21 في المائة.
وعند تحليل البيانات الاجتماعية تبين أن 4 في المائة من عينة الدراسة هم من العزاب، وأن 88 في المائة متزوجون، و2 في المائة مطلقون، أما النسبة الباقية أي 6 في المائة فتتشكل من الأرامل.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا أحد من الأفراد المستجوبين من مواليد المغرب، وقد مضى على الغالبية الساحقة منهم أجيالٌ في فلسطين. بالتأكيد كانت نسبة الزواج الداخلي بين المغاربة قبل عام 1967م أعلى، حين سكنت نسبة كبيرة من المغاربة داخل حارتهم في البلدة القديمة، وكان من ضمنهم جيل أول وجيل ثان من مواليد المغرب.
وقد ركزت الدراسة على مدى ارتباط المبحوثين بهويتهم المغربية والفلسطينية، حيث أجاب 38 في المائة من مجموع العينة بأنهم يصنفون أنفسهم من حيث الهوية القومية باعتبارهم “مقدسي مغربي”، وأجاب 32 في المائة بأنهم يصنفون أنفسهم “فلسطيني مغربي”، أما 20 في المائة من المستجوبين فأفادوا بأنهم يصنفون أنفسهم “فلسطينيين”، وقال 6 في المائة منهم إنهم “مقدسيين”، أما نسبة من قالوا إنهم “عرب” فلم تتجاوز 1 في المائة، بينما بقي 3 في المائة من المستجوبين من الذين لم يختاروا أيا من التصنيفات المذكورة.
وبشكل عام، يمكن القول إن هذه النتائج تعبر عن تمسك المغاربة المقدسيين بجذورهم المغربية من جهة، وارتباطهم الشديد والتاريخي بالمدينة المقدسة من جهة ثانية، على أن تصنيف الهويات هذا يتفاوت بين شخص وآخر، ولا يخضع لمنطق تراتبي جامد؛ ذلك أنه سيكون من الطبيعي أن تبرز هوية معينة على حساب أخرى تبعاً للحالة السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو النفسية.
ومع ذلك يمكن القول إن الانتماء المغربي لدى الفئات المستجوبة مازال حاضرا بقوة؛ ذلك أن الدراسة أبرزت أن 70 في المائة من المستجوبين ربطوا نفسهم بالمغرب، سواء من خلال الإجابة بأنهم “مغربي فلسطيني” أو “مغربي مقدسي”. ومع ذلك فإننا نتفق على أن السؤال في حد ذاته: “كيف يعرف المغربي نفسه؟” هو سؤال غير عادل، فلا يستطيع أن يجيب بأنه مغربي “بحت”، لأنه ولد في القدس أو في فلسطين، ويعيش بين الفلسطينيين منذ أجيال، والزوجة أو زوجها من فلسطين بنسبة 80 في المائة، كما جاء في الدراسة.
وعند سؤال المبحوثين عن امتلاكهم وثائق رسمية وأوراق ثبوتية مغربية أجاب 37 في المائة بأنهم يمتلكون وثائق رسمية، بينما أجاب 63 في المائة بأنهم ليست لديهم أوراق أو وثائق رسمية مغربية. وكانت الأوراق الثبوتية التي يمتلكها الناس إما “جواز سفر مغربي”، أو “بطاقة عائلة مغربية”، أو “شهادة ميلاد مغربية”، أو “بطاقة هوية وطنية مغربية” أو “شجرة عائلة موثقة من المحكمة الشرعية في المغرب”. وأما الذين أفادوا بأنهم لا يمتلكون وثائق رسمية مغربية فقد جرى سؤالهم عن كيفية معرفتهم بأن أصولهم تعود للمغرب، فكانت الإجابة بأنهم عرفوا ذلك عن طريق الآباء والأجداد أو شجرة العائلة أو الكتب المتخصصة في أنساب العائلات الفلسطينية.
أما بخصوص وجود أقارب للمستجوبين في المملكة المغربية فأفاد 58 في المائة منهم بوجود أقارب لهم، بينما أجاب 42 في المائة منهم بعدم وجود أقارب لهم. وأظهرت الدراسة أن المدن والمناطق التي يتركز فيها أقارب المبحوثين في المغرب هي فاس والرباط ومكناس ومراكش وورزازات والدار البيضاء.
وبالمحصلة فقد نجحت دراسة “مغاربة بيت المقدس” في تسليط الضوء على حياة فئة مهمة متصلة وجدانيا وتاريخيا وجغرافيا بالنسيج الاجتماعي المقدسي، بماضيها المجيد ويحاضرها المشرف وبمستقبلها الواعد؛ وهي تُعتبر إضافة مهمة للمكتبة المتخصصة في تاريخ القدس وفلسطين ومرجعا أساسيا للبحوث والدراسات حول علاقات المغرب بالمدينة المقدسة.
ولعل مساهمة وكالة بيت مال القدس الشريف في تزويد المكتبات بهذا العمل الجاد، الذي أنجزته لفائدتها مؤسسة بحثية لها سمعتها وهي الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (باسيا)، وما استغرقه هذا العمل من جهد ووقت، يكرس العمل المؤسِّس والهادف والملموس الذي تقوم به هذه المؤسسة، في حماية المدينة المقدسة والحفاظ على موروثها الديني والحضاري الجامع.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here