هناك لازمة يكررها من يعتقدون أنفسهم أنهم متوغلون في الفهم السياسي، تلك المتعلقة بأن الرافضين للتطبيع أو المناصرين لقضايا الشعوب تحكمهم العاطفة، وأن مثل هذه الأمور تتحكم فيها البراغماتية والإحاطة الشاملة بالموضوع وكأنهم هم قد عرفوا من الدهاليز ما حرم منه غيرهم ولهم من النظر البعيد ما ليس للدراويش أمثالي حظ منه.
والحال أنك لو سألتهم عن مبررات التطبيع لردوا عليك بخطاب سوريالي يضحك الأطفال الحالمين، ومن ذلك مثلا أننا سنحظى بدعم اللوبي اليهودي بأمريكا ولدى الكيان الصهيوني، وأن الاستثمارات ستأتي من كل صوب حدب، وأن قضية الصحراء ستحسم.
هؤلاء القوم فعلا يجهلون الصهيونية ويجهلون حقيقة الصراع الذي لا يرتبط بأرض اغتصبوها بل بحضارة يريدون استنزافها وإنسان يريدون تدميره، وأن الحرب عندهم لا تعني إطلاق رصاصة هنا أو هناك بقدر ما تعني التمكين لفئة ما استعباد وقهر فئات أخرى، سواء أكان في المغرب أو الجزائر أو فرنسا أو أمريكا، والحرب هنا تأخذ أبعادا اقتصادية وثقافية واجتماعية وإعلامية.
إنك بالتطبيع تُدخل عدوا في نسيجك الاجتماعي والفكري كي يدمرك تماما لأنه لا يتعامل معك إلا على أساس كونك العدو، سواء كنت فلسطينيا أو مغربيا أو سودانيا، واستراتيجيته قائمة تكتيكاتها على هذا. لذا فقد تأخذ لها شكل السلم أحيانا، والحوار والديبلوماسية الناعمة والفن والتذكير بالأصول المغربية للصهاينة.