هل سيقلب ترمب مسار انتخابات الرئاسة ويبقى في البيت الأبيض؟
هو سؤال اللحظة يزداد إلحاحا في الأحاديث السياسية في واشنطن مع اقتراب يوم تصديق أعضاء مجلس الشيوخ على النتائج النهائية وإقرار جوزيف بايدن الرئيس السادس والأربعين يوم الأربعاء المقبل. ويرتفع مستوى السجال بين منحيين متوازيين في التحليل السياسي:
المنحى العقلاني الذي يستند إلى الضوابط الدستورية وأعراف الانتقال السلس للسلطة في البيت الأبيض يوم العشرين من الشهر الجاري، وأن جلسة مجلس الشيوخ ستكون يوم الحسم النهائي في إعلان نهاية رئاسة ترمب بعد أربع سنوات.
لكن المنحى الموازي يثير الكثير من القلق، ويمكن تسميته المنحى اللاعقلاني، ولكنه غير مستبعد، خاصة في ضوء التقاطع بين ما يدور في دهاليز الكونغرس وظهور جبهة جديدة في مجلس الشيوخ تناصر فكرة بقاء ترمب لفترة رئاسية ثانية من ناحية، والتصعيد الراهن إزاء إيران والتأهب لوعود إيرانية للانتقام من اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد، وخلف هذا المنحى مناورات خفية وترتيبات مريبة من ناحية أخرى.
أتوجس دوما من نظرية المؤامرة والميول الميكيافيلية لدى ترمب ومؤيديه في الكونغرس، ولا أعتمدها في تحليل شتى الأزمات والصراعات. لكن أرقب عددا من المؤشرات غير العادية التي تجعلني قلقا من احتمال حدوث إحدى مفاجأتين بضرب إيران بين الآن والعشرين من الشهر الجاري، ومن هذه المؤشرات:
١. قطع الرئيس ترمب إجازة رأس العام في منتجع مارالاغو في فلوريدا، وعودته إلى البيت الأبيض عشية الجمعة دون حضور الحفل الضخم الذي يجد فيه عادة نشوته بالمديح الذي يغدقه عليه المدعوون إلى الحفل.
٢. التزام ترمب الصمت منذ ثلاثة أيام رغم مروره أمام المراسلين ثلاث مرات، والصمت ليس من طبيعة الرئيس الذي يهوى أن يكون مركز الأضواء وصانع الدورة الإخبارية بالنسبة لوسائل الإعلام.
٣. تباين المواقف داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية بشأن تقدير الوعيد الإيراني ووكلاء طهران في العراق بالانتقام وسط التصعيد المتبادل، أو الفرق بين حق الأمريكيين في “الردع” وحق الإيرانيين في “التصدي والانتقام”.
٤. منع فريق بايدن من حضور الاجتماعات وعمليات التنسيق في وزارة الدفاع مدة أسبوعين خلال فترة الأعياد بين 20 ديسمبر و5 يناير.
٥. تكتل جبهة جديدة تشمل 12 من أعضاء مجلس الشيوخ قرروا عدم الاعتراف بنتائج انتخابات الرئاسة وبالتالي معارضة تنصيب الرئيس المنتخب بايدن.
٦. ترويج بعض السرديات حول احتمال حدوث انقلاب في واشنطن، وقد رشح الرئيس ترمب في الخامس من الشهر الماضي سكوت أوغريدي لمنصب مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الخارجي. وقد تتذكرون أن السيد أوغريدي هو الطيار الذي سقطت طائرته في البوسنة خلال رئاسة بيل كلنتون عام 1995، وأصبح رئيس مجموعة “محاربون قدامى من أجل ترمب” عام 2016. وهو حاليا من الأصوات التي تدعو لأن يعلن الرئيس ترمب حالة الطوارئ في الولايات المتحدة، إلى جانب الجنرال مايكل فلين.
في حديث مع صديقة على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، تم تسليط الضوء على بعض هذه التغيرات:
سؤال: في ضوء التوترات الحادة بين إيران والولايات المتحدة، في أي اتجاه تسير الأمور برأيك؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟
جواب: هو تصعيد في أعلى مستوى بأن واشنطن تتمسك بحق الردع والضرب إذا “قُتل مواطن أمريكي واحد” في الخليج. ويبدو أن صقور البيت الأبيض والبنتاغون يمنّون النفس بأن يحدث هذا ويتم توجيه اللوم إلى إيران بضرب نقطة حيوية داخل أراضيها أو في العراق.
في المقابل، هناك معضلة لدى طهران في التوفيق بين خطاب ضرورة الانتقام لاغتيال الجنرال سليماني إزاء توقعات الرأي العام الداخلي، وخطاب الاستعداد للتصدي لأي هجوم أمريكي، وإن كان أغلب القادة الإيرانيين يحرصون على عدم الانفعال ومنح ترمب ما يريد. وقد يطمع البيت الأبيض في إعلان الحرب واستغلال التوتر الجديد ذريعة لتبرير بقاء ترمب في المنصب، على غرار الرئيس فرانكلين روزفلت الذي تولى الرئاسة لفترة ثالثة في ديسمبر 1941 خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا ضرب من ضروب التخطيط اللاعقلاني الذي أشرت إليه في المقدمة لاختلاف الظروف بين 1941 و2021.
س: ما هي الخيارات المتاحة اليوم أمام طهران لمواجهة التصعيد العسكري الأمريكي؟ وإلى أي مدى يمكنها الصمود والرد في حال حدثت مواجهات عسكرية؟
ج: كل الخيارات معقدة وليست بسيطة لدى طهران. هناك توقعات عالية لدى الرأي العام الداخلي إزاء “حتمية” الانتقام لاغتيال قاسم سليماني في الذكرى السنوية الأولى لرحيله وقبل خروج ترمب من البيت الأبيض، بما يتجاوز ضرب أهداف مادية، وليست بشرية، كما حدث في محيط السفارة الأمريكية في بغداد في 23 من الشهر الماضي، وقبلها استهداف قاعدة عين الأسد أوائل العام المنصرم. لكن إذا تغلب صوت الانتقام على صوت التريث، فإن أي طلقة رصاص أو تفجير يغدو ذريعة للرئيس ترمب لتوجيه ضربة ما، وليس من السهل على الاستراتيجية الإيرانية حاليا إيجاد صيغة توفيقية بينهما.
لذلك، يكون من الحكمة ضبط النفس وتفادي أي حادث قد يصبح السبب الزناد لإطلاق شرارة المواجهة حتى خروج ترمب من البيت الأبيض بعد ثمانية عشر يوما. هناك بعد استراتيجي آخر ينبغي عدم التفريط فيه وهو عزم الرئيس المنتخب بايدن استئناف العمل بالاتفاق النووي وإن كان بعض أعضاء مجلس الشيوخ يحاولون عرقلة الطريق في هذا الاتجاه (موضوع التدوينة السابقة).
س: تمارس إيران أقصى درجات ضبط النفس أمام الاستفزازات الأمريكية، فهل تعتقدون انها مستعدة للرد والتصدي لأي عدوان أمريكي محتمل؟
ج: منذ تحلل ترمب من الاتفاق النووي في مايو 2018، اتسمت استراتيجية طهران بمقاومة الترهيب والترغيب، وقد وجه ترمب عشر دعاوى للتفاوض مع الرئيس روحاني وحتى وزير الخارجية جواد ظريف. وكان أملها كبيرا في أن تتصرف الدول الأوروبية، ومنها فرنسا وألمانيا وإيطاليا ذات الاستثمارات الضخمة في إيران بعد اتفاق 2015، بشكل يحفظ روح الاتفاق وسريانه بعد انسلاخ واشنطن عنه. لا تريد طهران حربا أو مواجهة في هذه المرحلة بحكم الوضع الداخلي وتدهور الاقتصاد وصعوبة تصدير النفط الإيراني وتقلص العائدات المالية. لكن إذا كان للتصعيد الراهن أن يفقد القدرة على التحكم، فلا ينبغي أن نتخيل حربا تقليدية بقدر ما ستكون ضربات وضربات انتقامية محدودة.
لكن السيناريو الأكثر سوداوية هو أن تقوم إحدى المليشيات الموالية لإيران في العراق أو أي مكان آخر بالانتقام من أهداف أمريكية خارج التنسيق مع طهران. بعبارة أخرى، عندما يصبح الوكلاء أكثر تصميما على الانتقام لاغتيال الجنرال سليماني. والشرق الأوسط حاليا مرتع خصب لنشاط الحركات السياسية المسلحة مثل الحوثيين والحشد الشعبي وحزب الله وفصائل أخرى تزيد أو تنقص ولاءاتها لطهران.
س: هل تعتقدون أن الأزمة الداخلية الحادة التي يعيشها ترامب بعد هزيمته في الانتخابات كانت وراء تقريره التصعيد العسكري ضد ايران من أجل تمديد مدة بقائه في الحكم نظرا لوجود خطر خارجي؟
ج: منذ عام 1979، أصبحت إيران بمثابة كيس الرمل الذي يضرب فيه الجمهوريون كلما احتاجوا لمتنفس في السياسة الخارجية لترميم وضعهم السياسي في واشنطن. والعداء لإيران كان ومايزال موضوعا مفتوحا لدى المواطن والمرشح والرئيس ترمب. بيد أن الموقف إزاء إيران أصبح الأيام في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترمب رصيدا مضاعفا باتجاه محاولة افتعال ضربة عسكرية محدودة تنفع ترمب في مسعاه للبقاء في الرئاسة، وأيضا في النسف الاستباقي لأي تقارب بين طهران وفريق بايدن.
وكما قلت في إحدى المقابلات التلفزيونية، ينبغي الاحتراس من مفاجأتين محتملتين: توقيت ترمب توجيه ضربة لأهداف إيرانية عشية جلسة مجلس الشيوخ للإقرار النهائي لنتائج الانتخابات في السادس من الشهر الجاري، أو توجيه صواريخ إلى مواقع إيرانية عشية العشرين من هذا الشهر لنسف الطريق أمام العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.