مذ وطئت أقدام الاحتلال أرض فلسطين، وهو يضع نصب عينيه العبث بالرابط الروحي بين المسلمين ومقدساتهم، وخصوصا أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، وأعد لذلك الخطط ونفذ منها الكثير، سواء في السر أو العلن، عمل بصمت واستغل كل الأحداث والانتفاضات الشعبية الفلسطينية، ليمرر مخططاته الخبيثة ويفرض أمرا واقعا على المدينة المقدسة في سياق تهويدها ومقدساتها، والاعتداء الصارخ على المسجد الأقصى الذي يتمثل بالحفريات أسفله على مدار السنوات الماضية، حتى أصبح يقال بأن ما هو فوق الأرض من مساحة المسجد الأقصى للفلسطينين والمسلمين وما تحته ملك للهيود بقوة السلاح والأمر الواقع من أثر الحفريات والأنفاق.
كل ما ذكر أصبح من المعلوم بالضرورة عن القدس، وأصبح جزءا أساسيا من يوميات المقدسيين، إذا لم نغفل سياسة الاحتلال في إبعاد المصلين عن المسجد الأقصى، وعدم السماح لما هم دون سن الخمسين عاما وأحيانا الستين عاما الصلاة في الأقصى المبارك، تلازم هذه الإجراءات والقيود مخططات هدم المنازل فيكفى أن نعلم بأنه في عام 2016 تم هدم ألف منزل فلسطيني في القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 48 حتى ندرك حجم الفاجعة، بما تأوي هذه المنازل من عائلات تفقد جذورها ودفء وجودها التاريخي السابق لقدوم الاحتلال، وما يسوقه من ذرائع في هدمه لتلك المنازل حيث يدعي بناءها دون ترخيص.
القدس تترك وحيدة في هذا العصر، تواجه عنصرية الاحتلال، وينفذ فيها كل مخططاته التهويدية من تغيير لأسماء شوارعها العربية إلى أسماء عبرية، تبرز مدى حالة العجز العربي والإسلامي المنشغل بشؤونه الداخلية بعيدا عن القضية الأساسية، التي تحتم عليهم دعما رئيسيا، ماديا كان، أم سياسي، أم قانوني، في ظل احتلالٍ يرفض حتى أي نشاط لأي مؤسسة فلسطينية.
فما حدث مؤخرا من إغلاق لمكتب الخرائط التابع لمؤسسة بيت الشرق، التي تم بناؤها عام 1890 وقاوم الاحتلال نشاطها، وتم إغلاقها عام 1988، والمؤسسات التابعة لها، تكررت أوامر إغلاقها أكثر من مرة على مدى سني الانتفاضة الأولى، يؤكد منع الاحتلال قيام أي مؤسسة فلسطينية في القدس.
ورغم ذلك نجح فيصل الحسيني في جعل بيت الشرق مقرا فلسطينيا رسميا في المدينة، تتبع له مؤسسات عديدة ،ويقوم بنشاط سياسي واجتماعي واسع، وبعد مباشرة نشاطه بشكل عملي وفاعل بدأت التهديدات الإسرائيلية بإغلاق بيت الشرق عام أربعة وتسعين، وتكرر اقتحامه ومصادرة محتوياته، ولتسليط الضوء على أهمية مكتب الخرائط في بيت الشرق، فهو الذي يوثق كل الآثار الإسلامية في المدينة المقدسة والضفة المحتلة، بما يمثل ذلك من مواجهة لرواية الاحتلال، وتضليله للعالم حول ارتباطه بهذه المقدسات، وزعمه أحقيته ببناء الهيكل بعد هدم المسجد الأقصى.
آخر ما وصل له عبث يد الاحتلال المنهاج الفلسطيني، فالتعليم في القدس أصبح الآن تحت مرمى نيران الاحتلال وعنصريته، الذي يرى في هذا التعليم تهديدا وجوديا بما يمثله من حصن منيع لعقول النشء الفلسطيني، واللبنة الأساسية لعقول الجيل القادم غير الملوث بخزعبلات بالتبعية والتسوية مع الاحتلال، ليبدأ بمحاكمة المدارس الفلسطينية في القدس، تمثلت في إغلاق مدرسة النخبة وأهم ما يلفت الانتباه في هذا الأمر أن ما جاء في حيثيات قرار الاحتلال بإغلاق هذه المدرسة بأنها في المستقبل من الممكن أن تحرض الطلاب عليه، المدرسة التي تضم نحو 220 طالبا من المرحلة الابتدائية، والتي تلاحق منذ إنشائها في بداية العام الدراسي ليس لذنب سوى أنها تلتزم بالتدريس وفق المنهاج الفلسطيني.
عرضٌ مقطعيٌ يوميٌ بسيط لكل ما تواجهه المدينة المقدسة وسكانها الأصليين.