أخيرا، بعد التخريجات الهوليودية لتجليات “بطولة” الشرطة المصرية منذ عام 2013، جاء الاستعراض الكبير ، أو أبو كل الاستعراضات: شباب نفخوا عضلاتهم برفع الأثقال بنشوة الإيماء إلى اتساع أكتافهم وصلابة حلماتهم. تم اختيارهم من طلاب كلية الشرطة بعناية لتأثيث مشهد شبه عسكري، وكأنهم محنطون أو مصابون بعسر تصلب الأمعاء، فوق آليات مدرعة تتحرك تباعا أمام منصة الرئيس. يبدو أن الزمان قد تجمد في لحظة خروج هرقل إلى الميدان، لتنتعش معنويات السيسي بأن له آلاف من الهرقليين الجدد بقوة البنيان الجسدي لحماية نظامه وتطويع الحانقين الغاضبين من أبناء شعبه. هي أيضا استعراضية ذكورية تجسد منحى من مناحي التوظيف الأيديولوجي المبني على أدوار وقيم وتوقعات وغايات معينة كرسها أباطرة سابقون مثل هتلر وموسوليني وفرانكو وغيرهم من محرضي السلطوية.
وينمّ مشهد رجال الشرطة العراة عن أكثر من سؤال حول العلاقة بين السياسة والقوة والذكورة. وقد عمد مخرجو المشهد إلى العضلات المفتولة وإيحاءات قوة “الذكر” الذي يرتبط في الثقافة المصرية بمفاهيم الفحولة منذ الحقبة الفرعونية. لكن المشهد لا يبتعد عن “مسيرات الفخر” التي ينظمها المثليون في لوس أنجليس ولندن.
يمكن استقراء المشهد في القاهرة من خلال مفهومين في علم الاجتماع ودراسات الجنسانية: أولا، #الذكورية_المهيمنة في نظام الجنسانية التي بلورها عالم الاجتماع راوين كونيل Raewyn Connell الذي توصل إلى أن هناك ذكوريات تتباين عبر الزمان واختلاف الثقافات. وتكرّس هذه النظرية سلوكات تسعى لإضفاء الشرعية على هيمنة دور الذكور على المجتمع.
ثانيا، مفهوم #الذكورية_السامة التي تقوم على أعراف ثقافية تنطوي على إلحاق الضرر إلى المجتمع وإلى الذكور أنفسهم. وتعكس أيضا صورا نمطية لهم باعتبارهم “أصحاب الهيمنة” اجتماعيا مع وجود مؤشرات على تشجيع استخدام القوة وحتى العنف. وغالبًا ما تؤدي التنشئة الاجتماعية للفتيان في المجتمعات الأبوية، وفي هذه الحالة رجال الشرطة المصريين، إلى تطبيع العنف، كما هو الحال في القول المأثور “سيكون الأولاد أولادًا” فيما يتعلق بالتنمر والعدوان تحت مسمى الاستخدام القانوني للقوة. هو تنمر ضمني لنظام السيسي الذي يحاول احتكار كافة تجليات القوة من قوة العضلات في الشوارع المصرية إلى قوة المدفعية وهي تدك مساكن أهالي سيناء ضمن “رجولة” مكافحة الإرهاب.
لكن على الوجه الآخر للعملة، يكبر السؤال حول مدى نجاعة نظام السيسي واستراتيجيته في التعامل مع القضايا الإقليمية. كيف تنفع تلك الذكورية العضلاتية في كسب المعركة حول مياه سد النهضة مع إثيوبيا، أو في أزمة غاز شرق المتوسط؟ كيف تحل سياسة الشرطة عارية الصدر مشكلة الفقر وتراجع مستوى أكثر من ثمانين مليون مصري؟
بين معركة سيناء وعضلات الشرطة والذكورية المهيمنة والذكورية السامة، يحق للسيسي أن يكتب #ملحمة_سيساوية من وحي الخيال الدرامي وليس العلمي، وهو الجنرال الذي لم يخض حربا واحدة في حياته، ولم يؤكد ألمعية رئاسية واحدة في وجه التحديات الإقليمية والدولية!