“لماذا انتشرت ثقافة القتل والإجرام ..؟!” :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وأشهد أن لا إله إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وبعد :
فأن ممّا يجب لفت النظر إليه والتحذير منه، مراعاة مواد التغذية، سواء أكانت للبدن أم للعقل، وذلك من خلال برامج تطوير، وبرامج مراقبة، لأن التغذية عموماً، مؤشر على الصلاح أو الفساد، ولمّا كنّا مسؤولين عن أفراد المجتمع أمام الله تعالى، كان لا بد من مخاطبة من يمكنه الإصلاح، من مربين ومربيات، ومسؤولين ومسؤولات، ومشرّعين ومنفّذين، ليحمل كل واحد حظه من المسؤولية، ولا يلقيها على غيره، فتضيع النفوس.
الثقافات المنتشرة في مجتمعاتنا كثيرة، وللأسف على رأسها ثقافة القتل والإجرام، وقد دهشت حين استمعت لأمرين:
الأول: التقرير الدولي حول الإرهاب والجريمة ومعدلاته في العالم، فوجدت أن عامة الدول التي ذكرت كلها عربية إسلامية، وعلى رأسها العراق وسوريا. الثاني: استهجان مجلة كبيرة وعريقة تصدر في بريطانيا وجود الأمن والاستقرار في الأردن!!!
قلت: لو أننا رجعنا بعقولنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا ما يلي:
1- أن الأفلام الأكثر ذيوعاً خصوصاً في السينما على وجه الخصوص، إمّا أفلام الحب والغرام والخلاعة، وإمّا أفلام الرعب والجريمة.
2- الثقافة الرُسوميّة (الكرتون، الكاريكاتور)، إمّا أن تحمل ثقافة اللاثقافة، فتنتج طفلاً أبله غير مبالٍ، أو أنها ثقافة القتل (الطخ) والدماء، أو ثقافة الفضاء القادم بسلاحه الغريب المتطور.
3- أقول وبمرارة : في نفس الفترة أو بعدها بقليل، وذلك قبل القرابة من 40-20 عاماً، قام بعض المؤلفين في الإسلام بوضع رسائل تحت العناوين التالية:
التوقّف والتبيّن (أي: بين المسلم والمرتد). الولاء والبراء (متى يكون الولاء كفراً – لاحظ قضية التكفير). الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ضوابط التكفير. الهجر في الإسلام.
فلو قمنا بدمج ما يعرض من قبل الشرق والغرب من ثقافة الإعلام المرئي خصوصاً، وثقافة المؤلفين المسلمين، لخرجنا بالنتيجة التالية :
نوالي المسلم ونتبرأ من الكافر (أَصْلي أو مرتد). نهجر العاصي. نكفِّر من لا يكون مسلمأ (تارك الصلاة والحاكم). طبقات الكفار : مرتد، يهودي، نصراني…! النتيجة النهائية : كفر هؤلاء جميعاً، ما يستوجب علينا -وقد تمت التعبئة بالكامل- إذن فلا بد من ممارسة الأمر والنهي باليد، الأمر الذي أدّى إلى :
– القتل وسفك الدماء واستحلال الأموال والأعراض.
– محاولات الانقلابات العسكرية للاستيلاء على الحكم والثروات ومقدّرات الدول.
ولذا كان الإرهاب أعلى نسبة له في العالم –للأسف– في الدول العربية الإسلامية.
أقول : من خلال الدراسة النفسية، ثبت أن الطفل يكون حيزاً للحفظ من خلال الصورة خصوصاً، من 5-7 سنوات، وقيل قبل ذلك أيضاً، ونحن نرى أن أكثر من يعكفون على متابعة الرائي (التلفزيون) هم أصحاب هذا السن، أقصد من يدهشه كثرة الحركة، والأصوات الصاخبة والخيال الواسع حتى إذا غفلنا عن أبنائنا، كبروا وخرجوا إلى الشارع أو المسجد أو … أو …، تلقفّـهم ثقافة هذه الأماكن، المستقاة من الإعلام المرئي، أو من الكتب التي أُلِّفت لبيان شيء من الشرع، لكن بطريقة غير سليمة، وفي وقت غير مناسب.
وبطبيعة الحال، فلا بد من التفاعل مع معطيات المجتمع، فعندها يصبح الشاب الذي مورست عليه موجات مغناطيسية أو كهرومغناطيسية، من خلال الشاشة الكبيرة أو الصغيرة بنوعياتها –الرائي أو الشبكة العنكبوتية (الكمبيوتر)– تدخل إمّا من خلال نظره أو أذنه إلى قلبه وعقله، فتحدث تغييراً فسيولوجياً، يؤثر مع الزمن في تغيير النمط الفكري الذي يعيشه، الأمر الذي يستدعي منّا جهوداً عظيمة، في معالجة هذا السرطان قبل أن يستفحل أكثر مما هو الآن.
المهم : يتطور فكر الشاب، فأن وجد موجهاً كف عن الخطر، وإلّا فليس أمامه إلّا أحد طريقين أو ثلاثة :
1- الضياع والتشتت واللامبالاة، وهذا الغالب، حيث أصبحنا نرى شباباً (ذكوراً وإناثاً) يعيشون بلا هدف.
2- أن يصل به حد الضياع إلى ارتكاب الجريمة.
3- أن يتحول إلى الالتزام المتزمّت، فيصبح في نظر نفسه مجاهداً، يمارس قتل الأبرياء.
أقول : التنظير الكثير في هذا لم يعد مجدياً، لأن كل ما ذكرته أصبح ظاهرة في المجتمعات، ما يستدعي تكاتف الجميع، لوضع برامج علاجية، تكفل الشمولية في الحل بجميع طرقه.
وأنا سأحاول بدوري وضع خطة لذلك، قابلة للتعديل :
1- وضع مواد إلزامية في المدارس حتى الأول الثانوي، تتحدث عن ثقافة العقل الواعي، بنماذج من الدول المتقدمة تعرض في الصفوف، من خلال شاشات العرض.
2- تنمية ثقافة المدرسين بدورات إلزامية لعلاج مثل هذه الظواهر.
3- تدريس السيرة النبوية ضمن حلقات بالتعاون مع وزارات الأوقاف والتربية، ما ينمي خلق الفضيلة عموماً.
4- وضع لافتات معبرة عن الرقي الاجتماعي في الطرقات.
5- زيادة قوة الروابط والأواصر بين الطلاب النموذجيين مع غيرهم، من خلال فترات ترفيهية في المدارس ضمن خطة زمنية محددة.
6- إعطاء شهادات تقدير من خلال حفل أمام الطلاب للمتميزين خلقياً وسلوكياً.
7- اهتمام وزارات التربية بأبناء الأماكن التي يمارس فيها صور من العنف، من خلال زيارات ميدانية من المسؤولين.
8- إقامة مخيمات كشفية يدعى إليها أهالي الطلبة، من أجل الربط الأسري.
9- زيادة الاهتمام بالسجون الإصلاحية، من وضع برامج وخطط تدريب مهني، وضرورة قيام آمِري السجون بزيارة المساجين وتقديم النصح والهدايا لهم، وإعطاء شهادات ومكافآت مالية لمحسني السلوك والتصرف.
وقبل كل ذلك، أن يراعي كل مسؤول إخلاص النيّة لله تعالى، فهذه أمانة يجب القيام بأعبائها، .. فأن تخاذلنا فلن نجني إلّأ زيادة الدمار والقتل والتشريد.
وعليه : فيجب علينا رصد المجتمع بعين المعالج الناصح، لنصل إلى الحد من هذه الفوضى العارمة في الجريمة، وعلى كل وزارة أو مؤسسة أو دائرة، أن تقف حاجزاً منيعاً من أن ينجر شبابنا خلف هذه الأمور، وإلّا وصل الدور إلينا بالقتل أو غيره.
والله أعلم.