الأم غيثا – عبد العالي بنلغازي

0
912

 

رمت بنفسها على الطريق وكأن قلبها لم يعد ينبض للحياة، بل أصبحت في صراع مع الزمن تعيش لتجلب لأطفالها الخمسة لقمة العيش الكريم، بعد أن غادر الزوج الحياة في صراع مع مرض مزمن استعصى على الأطباء معه العلاج، تركها وهي تدرك أن دهاليز الزمان بدون الزوج موحشة وأنه لم يعد هناك مكان للضعفاء والمحتاجين، نعم هي تلك الأم الطيبة التي تصارع الحياة، لم تكن على استعداد بعد لهذا الفراق المر، غيثا تحاول بكل قواها أن تبتسم في وجه أطفالها حين تغزل الصوف في الليل، بينما تعمل نهارا كعاملة نظافة في إحدى مقاهي المدنية. غيثا تحاول رسم البسمة على وجه أطفالها الخمسة وهي تعلم علم اليقين أنها لن تستطيع تحمل مزيد من الأوجاع، آه عليك يا غيثا حين تجلسين وتسترجعين الذكريات لما كان زوجك يناضل من أجل الوطن حاملا بندقيته مكافحا عنه، ولكن الوطن سرعان ما تخلى عن غيثا وأطفالها الخمسة، يا لقذارة الوطن ويا لبشاعة الموقف.
اشتد وجع غيثا المسكينة وهي تتأمل أطفالها الخمسة وكيف يعيشون لترقرق عيونها بالدمع، داعية الله بأن يشفق على حالها وعلى أطفالها. كانت تعلم أن ستغادر الحياة في أية لحظة دون رجوع، نعم تلك هي الحقيقة فقد كشفت تقارير طبية أن غيثا مصابة بالسرطان، مرت أيام وشهور وصحتها تتراجع، تساقط شعرها وأصبح جسدها نحيلا جدا، كانت تعد الأيام يوما بعد يوم وتدرك أن بقاءها مستحيل .
ذات ليلة اجتمع أطفالها الخمسة بقربها والدموع في عيونها، كانت تودعهم بنظراتها الحزينة وتستنشق رائحة الحزن في أجسادهم، قالت بصوت يمزق الإحساس: “عندكم تفرقوا راكم خوت، أوربي راه ديما معاكم”. حاولت أن تضيف شيئا آخر لكن رائحة الموت عطرت جسمها وهي تغادر الحياة .
صرخ الأطفال الخمسة أمي أمي أمي.
منذ ذلك اليوم، لم يسمع عنهم أدنى خبر.
 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here