الأصدقاء الثعالب
************
والذي لفت اهتمامي اليوم، وجلب انتباهي وشدّني إليه، بحيث استوقفني مليّا، هو قول الله تعالى في المنافقين: 《إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا》[آل عمران: ١٢٠]. وقد تعوّذ النبي -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- من مثل هؤلاء المنافقين، ومتعددي الوجوه، والأصدقاء الماكرين، الذين يتلوّنون تلوّن الحرباء، ويميلون مع الريح، ويدورون مع مصالحهم، ويخضعون لأغراضهم، لا ثقة بهم ولا بوعودهم وعهودهم، فقال متضرعا إلى الله تعالى : “اللهم إني أعوذ بك …. من خليل ماكر، عينه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيئة أذاعها” (الطبراني).
قد صدق الله عز وجل، وصدق نبيه الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- وقد ذقتُ حلو الحياة ومرّها، وجرّبتُ أصناف الناس، وعجمتُ عُودهم، وسبرتُ غَورهم، فانكشف لي أنّ من أصدقائنا من يُظهر لنا محبته، وخلّته، وودّه، وصفاءه، وهو في باطن الأمر محتال مخادع يروغ منا كما يروغ الثعلب، ويلدغنا كما يلدغ العقرب. ينظر إلينا نظر الخليل لخليله لكن خداعا، ومداهنة، ومكرا. قلبه يراعي إيذاءنا، ويتربص بنا الشر والسوء. إذا علم منا خيرا وعملا مجيدا دفنه من الحسد الذي ينهش قلبه نهشا، والضغينة التي تمزّق فؤاده تمزيقا. أما إذا رأى منا شرا وزلّة أذاعها ونشرها بين الناس وهو في الحقيقة عدوّ في ثياب صديق، وذئب مفترس في صورة حَملٍ وَديعٍ هادئٍ.
وما أحسن ما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه :
لا خيرَ في ودِّ امـرئ مُتملِّـقٍ
حُلـوِ اللسـانِ وقلبُـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ
وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله ولله درّه :
إنى صحبتُ أناسا ما لهم عدد
وَكُنتُ أحسب أني قد ملأتُ يدي
لما بلوتُ أخلّائي وجدتهمُ
كالدهر في الغدر لم يُبقوا على أحدِ
إن غبتُ عنهم فشرّ الناس يشتمني
وإن مرضتُ فخير الناس لم يَعُدِ
وإن رأوني بخير ساءهم فرحي
وإن رأوني بشرّ سرّهم نكدي
وقال ابن الرومي ولله درّه :
وإخوانٍ تَخذتهمُ دروعا
فكانوها ولكن للأعــــادي
وخِلتهمُ سهاما صائبـاتٍ
فكانوها ولكن في فــــؤادي
وقالوا قد صفت منا قلـوبٌ
لقد صدقوا ولكن عــن ودادي
وقالوا قد سعينا كل مسعى
لقد صدقوا ولكن في فســادي
