حياة بلا إنجاز
ما أتفه الأيام تمرّ دون عطاءات، وما أشقى الحياة تمضي من دون نجاحات، والإنسان في ظل هذه الأيام والأوقات التي تذهب سدى، تسيطر عليه مشاعر الدونية والتفاهة، فلا اعتداد بالنفس، ولا بصيص للأمل، ولا رجاء في المستقبل.
ما أسرع انقضاء الأيام، كأنها تتسابق الريح العاتية في سرعة السير، فلا تشرق الشمس إلا وهي قد ولّت غاربة، ولا تشعر ببدء الأسبوع إلا وهو قد انتهى، ولا يحلّ الشهر الجديد إلا وهو ينقضي ليصبح جزءا من الماضي لا يعود، ولا تبدأ السنة إلا وهي تنصرم دون شعور بنهايتها، كل هذا من شدة السرعة التي طُبعت بها الأيام والشهور والسنوات، تدورُ رحى الأيام قويةً سريعة تطحنُ حبّاتِ العمر ناعمةً دقيقة، والمؤلم أنها تنقضي دون إنجازات !!
لم تتسارع وتيرة الأيام والشهور والسنوات، فها لم ينقص اليوم شيئا بل هو 24 ساعة كما كان، والشهر 30 يوما على شاكلته، والسنة 365 يوم على ما كانت عليه منذ القديم، ولكن العشوائية وانعدام التخطيط، وغياب الأهداف، وتنظيم الأوقات هي التي جعلتنا في الحقيقة نشعر أنها ازدادت سرعة.
ضعفت الهمم، وخارت العزائم، وضمرت الإرادات، فتقاعس الإنسان وتهاون، واثّاقل إلى الأرض وتقوقع، وتأخّر عن ركب الحياة وانحطّ، لا تحدّثه نفسُه بتطوير شخصيته، ولا تنمية معارفه، ولا اكتساب مهارات تفيده، ولا إنجاز أعمال تنعشه.
الأيام متماثلة، والأسابيع متشابهة، والأعوام متشاكلة، لا جديدَ في الحياة ولا طريفَ، ولا تغيّرَ فيها ولا تطوّرَ، وبين ذلك إحساس فاتك بالملل والسآمة، فاليوم مثل الأمس، والغد مثل اليوم، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه اليوم بالأمس، لا جديدَ يُذكر، ولا أثرَ يُسطر.
وهكذا تمضي الحياة بلا هدف، والحياة بلا هدف ما أشبهها بسفينة أبحرت بلا دَفّة ولا مِرساة، وكلاهما ينتهي به الأمر إلى الصخور الصماء، ومصير كليهما آيل إلى العطب والتلف.
والحل للخروج من هذه الدوامة والحلقة المفرغة، هي التخطيط والتنظيم وتحديد الأهداف، والابتعاد عن الخبط خبط العشواء، والانطلاق في دائرة الضوء، عن طريق اللجوء إلى الإنجاز.
صحيح أننا بتنا كلما يقرع صدى الإنجاز أسماعَنا نخافه ونستعظمه ولا نرى أنفسنا قادرين على أي نوع منه، ونرى أن سعينا للإنجاز هو كالسعي لتبييض القار (الزِّفت)، ولكن هذا خطأ؛ إذ قراءة صفحة واحدة من كتاب مفيد إنجاز، وتلاوة صفحات من القرآن إنجاز، ومشاهدة مقطع فيديو مفيد إنجاز، والاستماع إلى شريط نافع إنجاز، والحضور في دورة إنجاز، والحضور في جلسة مفيدة إنجاز، ومساعدة أخ في الله إنجاز، وإدراك تكبيرة الإحرام إنجاز، والبشر والتعامل الطيّب مع الناس إنجاز، والقيام بأعمال البيت إنجاز، وكلّ سعي في سبيل التفريق بين اليوم والأمس إنجاز، وهلمّ خيراً… ولنبدأ بمثل هذه الإنجازات التي لسنا عاجزين عن فعلها وصولا إلى الإنجازات الكبيرة.
إن الإنجاز ولو كان بسيطا يحتاج إلى الهمة والعزم والتوكل والثقة بالنفس، ويحتاج إلى التصميم والإصرار، والذي يتحلى بهذه الأوصاف لا شيء في الوجود يستطيع إيقافه ويحول دون إنجازه.